بذلك، فأنا كما تعرف لست بالرجل الجبان، ونحن رجال السيف، لا نقدر طول الحياة بطول أيامها ولا نحرص عليها لما فيها من المفاتن والزينة والراحة والرفاهية، وإنما هي حياتنا تقدر بالأعمال العظيمة، ونمضي فيها على الخروج من شدة لمواجهة شدة أقسى وأصعب، وإني على ثقة من طهارة صحيفتي وبراءة ذمتي، وسأقف بين يدي الله وكتابي بيميني في صفوف المجاهدين الأبرار، ولكنني أطمع أن لا أخرج حتى أرى صحيفتي بيضاء أمام الناس وأمام التاريخ. . . .).
(رحماك يا صاحبي، لقد شمت بي العدو، وفريح فيَّ العاذل، وطمع فيَّ من لا يدفع عن نفسه، وتوجع لي الصديق، وفجع بفاجعتي الأهل والولد، وإني لأعرف منزلتك من سليمان بن عبد الملك، وأقدر فيك الشهامة والمروءة، وأعتز بحرمتي عندك فبك أستجير من بطشه، وألجأ إليك في تخليص عنقي وتطهير سمعتي، ورفع ذلك الغرم الثقيل الذي سيضطرني إلى التكفف وسؤال العرب في تحمله عني، وهل تحسبني أحتمل الحياة وأنا أرى كرامتي تبتذل بالسؤال والتكفف؟).
قال يزيد بن المهلب:(هون عليك أيها الصديق، فإنها سحابة صيف عن قريب تقشع، وما أنت في محنتك بأول مثل بين الناس ولا بآخر مثل سيكون بين الناس، فهكذا الأمر في صحبة الملوك، وقديماً قيل: إن صاحب السلطان كراكب البحر إن نجا من الغرق لم ينج من الخوف، وإني لأعرف في سليمان بن عبد الملك العناد والإصرار على الرأى، ولكني باذل جهدي عنده وثق أنها ذمة العرب لانخرمها أبداً، وعهد الآباء لا نخونه ولو طاح العنق، ولقد نزلت بساحتي، فإني شريك لك فيما تعاني من محنة، وإني لأضع نفسي وولدي ومالي بين يدي الخليفة افتداء لك، وأنت آمن في جواري إن شاء الله).
قال موسى:(إنها يد أحفظها لك؛ ومروءة أقدرها فيك وإني على يقين من نجح مسعاك، لما أعرفه من منزلتك عند الخليفة وقربك من قلبه واحترام رأيك عنده، والخير في التعجيل).
قال يزيد: (ما كنت أنتظر حتى تتحدث إلىَّ في شأنك فقد كنت أتحدث اليوم إلى الخليفة في هذا الشأن، وإني لذاهب لساعتي لأعاود معه الحديث، وسأخبره أنك استجرت بي ونزلت بساحتي وأني قد أجرتك وتحملت عنك، ولكن ماذا أقول لك؟ لقد سقطت في تبصر الأمر سقطة هي التي جبلت عليك كل هذا فقد كنت تعرف أن سليمان بن عبد الملك كان ولي