للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العهد لأخيه الوليد بن عبد الملك، وأن الوليد كان قد بلغ الغاية في حياته، يتوقع الناس له الخروج من الدنيا بين كل صباح ومساء، ولكنك وقفت على الولاء له، والارتفاع بمكانته، وأمهلك سليمان على أن تكون له يوم يجلس لشئون المسلمين وأن تدخر الفخر بفتوحاتك الكبيرة العهدة فأبيت، فاحفظته بهذا عليك، ولم تقصر في العناد معه مما مكن للحقد في قلبه، على أنك من ناحية أخرى قد أغضبت مملوكك طارقاً بن زياد يوم صفعته بالصوت، فكان بالوقيعة بك عند سليمان).

قال موسى: (مهلا يا صاحبى، فليس هذا وقت تعديد ولا تأنيب، لقد كنت أعلم الأمر فيما أوضحت، وكنت أعرف أن شمس الغد ستشرق على سليمان في أبهة الخلافة والأخذ بالسلطان على المسلمين، ولكنى أعرف أيضاً أن من الواجب علينا أن نقدر لكل إنسان يومه، وأن نحترم لكل سلطان عهده، وليس من الحق في الإسلام ولا من الخير للمسلمين وجامعتهم أن نضع المصالح العامة موضع الزلفى للأهواء والأغراض، وليس من اللياقة أن نجلس مع الوريث نرتب شأن التركة وصاحب المال حيُّ يتنفس!! كان ذلك رأيي حتى لا أنهم بالضعف في خلقي ورجولتي، وهبني أخطأت، فما أنا بمعصوم).

قال يزيد: (إنني ما قصدت بما قلت لك تعديداً ولا تأنيباً وإنما قصدت أن أكشف لك عن السر وأن أرى ما عندك).

فتململ موسى في مكانه، وحرض ريقه على غصص، ثم قال: ترى ما عندي؟ وماذا تحسب أن يكون عندي وأنا على هذه الحال؟ إن الإنسان ليرى الرأي القويم السديد في شأن غيره أما في شأنه هو فأنه يرتبك ويتبلد حتى لا يدري مصدر الأمر من مورده، فما ظنك بي وأنا رجل اعتدت طول حياتي أن أفكر في شئون الحرب والفتح، وفي شئون من هم تحت طاعتي من الجند وحولي من الأعوان، ولم أكن أجد الفرصة التي أفكر فيها لنفسي، فلا تسألني الرأي فأنى لا أملك الآن معياره، وقديماً قالوا: إن من الحزم في الرأي أن يكون ميزاناً لا يزن كاملا لناقص ولا ناقصاً لكامل. . .)

قال يزيد: (إنني لم أزل أسمع أنك من أعقل الناس وأعرفهم بمكايد الحروب، وأبصرهم بطبائع أهل السلطان، وأقدرهم على مداورة الدنيا والتصريف لأحداث الحياة ونوازل الدهر، وإني والله لأعجب منك كيف وقعت في يد هذا الرجل بعد ما ملكت الأندلس،

<<  <  ج:
ص:  >  >>