من مديرية أسوان، غير مطروق. . ولذا فبلاد النوبة قليلة السكان، لا تحظى بإقبال المصريين، مثقفين أو غير مثقفين، ولا بإقبال أهلها أنفسهم على العمل فيها، والانتفاع منها!!
وحدود هذه الشلال شمالاً، وأدندان جنوباً، وهي آخر الحدود المصرية كما قضت بذلك السياسة الغاشمة، سياسة الاحتلال المقيت. ومن الشرق والغرب على السواء، سلاسل جبال تختلف ارتفاعاً وضخامة، وصحاري منبسطة واسعة، لا يكاد يقيم فيها الإنسان، اللهم إلا الجزء الواقع على النيل مباشرة فيضم نجوعاً كثيرة متناثرة على الشاطئين، وهي مثال الفقر والحاجة، ورمز البؤس القاتل، والشقاء الأليم. . وهي مع هذا عنوان التضحية، والتفاني في حب الوطن، حيث مسقط الرءوس مهما اشتد البلاد، وتمادى القدر في الغلواء!!
والمسافة من الشلال إلى وادي حلفا، حوالي ثلاثمائة وخمسين كيلو متر، مقسمة إلى أربع وأربعين محطة تقريباً، تقف الباخرة البطيئة (البوستة) في كل منها، تحمل البريد، والبضائع والركاب، منها وإليها، ولا تقف الباخرة السريعة إلا مرة واحدة في عنيبة. .
وإذا كان هذا الاسم (بلاد النوبة) يلقي في روع الإنسان حين يسمعه، أو يقرأ عنه أن سكان هذه البلاد نوبيون جميعاً، فإن الحقيقة غير هذا، والواقع يخالفه. . ذلك لأن هذه البلاد تنقسم إلى ثلاث مناطق تختلف كل منها عن الأخرى تمام الاختلاف، وتباينها إلى حد كبير.
فالمنطقة الأولى من الشلال إلى المضيق، وهي خمس عشرة محطة: الشلال، دهميت، الأمباركاب، خور رحمة، أبو هور، مرواو، مرية، قرشة، جرف حسين، كشتمنة، الدكة، العلاقي، قورته، السيالة، المضيق.
وللشلال شهرة بالملاحة، فأكثر الملاحين الذين يشتغلون في البواخر النيلية بوجه عام، تجارية وحكومية، وشراعية، من هذه البلاد الصغيرة المسماة بالشلال!!
وإنك لتعجب أشد العجب حينما ترى أبناء هذه البلدة يثبون في البواخر وثباً، ويقفزون هنا وهناك، وكأنما ولدوا على ظهور هذه البواخر، وعلى صفحات النيل، وبين موجاته العاتية، وتياره الجارف، ومع هذه فلا ينالهم أذى ولا يلحقهم مكروه!!
بيد أن الألم يحز في نفسك حزاً، حينما تراهم يرتدون الأسمال البالية، التي لا تكاد تستر