وأنضرها زراعة، وأوفرها محصولاً، وأسبقها في ميدان التقدم الزراعي الذي ينتظر هذه البلاد، بجانب التقدم الصناعي الذي سيجرفها جرفاً إن شاء الله، ضمن ما يجرف من بلاد القطر، الغنية بالمعادن الدفينة، والثراء المقبور!!
ولكل منطقة من هذه المناطق الثلاث، اسم خاص بها، فالمنطقة الأولى منطقة (الكنوز) أو منطقة (نوبيّي الشمال). والمنطقة الثانية منطقة وادي العرب. والثالثة منطقة (نوبيّي الجنوب).
ولكل منطقة من هذه المناطق كذلك عادات وتقاليد خاصة تغاير تمام المغايرة المنطقة الأخرى، وهذا مما يجب أن يدخل إلى حد كبير في حساب الباحث، إذ أن واحداً من الكنوزيين، أو أهل الشمال، لو أراد أن يكلم آخر من نوبيي الجنوب، فإن أحدهما لن يفهم شيئاً مما يقول صاحبه، فلكل لهجة خاصة، أو ما يسمونه (رطانة). . .
ولن يحاول ساكن المنطقة الثانية - منطقة العرب - أن يفهم من أحدهما شيئاً، لأنه لا يعرف شيئاً من (الرطانة) وإنما هو يتكلم اللغة العربية التي دخلها قليل من اللحن والتحريف وإن كان يحتفظ باللهجة الجميلة، ذات الجرس الموسيقي البديع!
غير أن اللغة العربية تجمع بين هؤلاء الأخوة جميعاً، ولكنها عربية غير سليمة بطبيعة الحال، وكثير من الصبية والصغار لا يعرفون العربية، ولا يرضون بالرطانة بديلاً، وكذلك أكثر النسوة اللاتي لم يغادرن بلادهن، إلى مختلف بلاد القطر. فهؤلياء لا يتكلمن بالعربية على الإطلاق، لأنهن لا يكدن يعرفن عنها شيئاً أكثر مما يعرف عنها أهل القطبين!!
ومن العجيب أن التنافس شديد في العلم والمعرفة، والرقي إلى المناصب السامية، والتخلص من ربقة الماضي الأليم - بين أهل الشمال وأهل الجنوب من النوبيين فحسب، أو بالحري بين المنطقة الأولى والمنطقة الثالثة، ويظهر ذلك جلياً بين تلاميذ مدرسة عنيبة، في بدء العام الدراسي عند الدخول أو الالتحاق بالمدرسة، ثم يزداد وضوحاً في حجرات الدراسة مما يشحذ الهمم ويلهب القرائح، ويدعو إلى التفوق والنهوض. .
ويلاحظ أن تلاميذ المدرسة من أهل الشمال، أكبر سناً من تلاميذها من أهل الجنوب، وربما يكون مرجع هذا إلى أن قرب المدرسة من أهل الجنوب يساعدهم على الالتحاق بها في سن صغيرة.