أن نميز الألم الخاص الذي لا ينفي وجوده فيلسوف من الألم العام الذي ينفي وجود التفاؤل. ولا ينبغي هنالك أن يسأل أحدنا الآخر: أذقت ألماً أنت أم لم تذق؟ وأنا ينبغي أن نفهم إذا كان الوجود بني على أساس الخير، أو إذا كانت آلامنا فيه محتمة لا محيص عنها؟
وهكذا أرى قولنا (مجموع الكل هو خير) أدنى إلى الحقيقة من قولنا (كل شيء هو خير) وإذ ذاك لا سبيل لأحد أن يأتي ببراهين لأثبات شيء أو لدافع شيء. لأن هذه البراهين تتعلق رأساً بمعرفة عمارة الكون والاطلاع على غاية خالقها، وهذه المعرفة يبعد على العقل البشري أن يُلم بها، والقواعد الصحيحة لمذهب التفاؤل لا تستمد من متاع المادة ولا من ميكانيكية العالم، ولكنها تُستَمد بواسطة العقل من كمالات الله التي يدبر بها كل شيء.
إذا عدتَ بهذه الأسئلة المتباينة إلى مصدرها الشامل رأيتها كلها تعود إلى مسألة وجود الله، فإذا ثبت وجود الله فلابدَّ أن يكون كاملا، وإذا كان كاملا فلابد أن يكون عاقلا وقديراً وعادلاً، وإذا كان عادلاً وقديراً فكل شيء مبني على خير وصلاح، وإذا كان عادلاً وقديراً فروحي هي خالدة، وإذا كانت روحي خالدة فان ثلاثين عاماً من عمري لا توازي شيئاً عندي، وربما كانت ضرورية لإنقاذ الكون. فإذا ما سلمتَ لي بالقضية الأولى فلم تتزعزع هذه النتائج التي وقفها عليها، وإذا لم تسلم بها وكان نصيبها منك الجحود فان كل مجادلة في توابعها تذهب عبثاً.