وهذه هي الرسالة التي كتبها رو سو جواباً على هذه المقطوعة:(اسمح لي أيها العزيز بأن أشكو إليك من هذه العقيدة، إذ كنت أرتقب منك ما هو خير وأهدى لهذه الإنسانية التي تريد منك أن تنفس عنها. أنت تلوم (بوب) و (ليبنتز) لأنهما خففا عن الإنسانية عذابها بإعلانهما (أن لاشيء عليا إلا الخير) ورحت ترينا شقاءنا وتهدينا إلى تعسنا، تدفعك إلى هذا عاطفتك الهوجاء؛ وبدلاً من أن تكون رسول تعزية لي لم تعمل إلا على إثارة حزني. قد يقال إنك تخشى أنني لا أرى مبلغ شقائي في هذا الوجود، وأنك إذا تركتني أسيء الظن بالكون تخفف عني شقائي.
قال لي (بوب وليبنتز): صبراً أيها الإنسان فان الألم شيء ضروري في الطبيعة والوجود، فان الموجد الخالد الحسن الذي يحكم هذا العالم ودّ أن يعصمك فيه عن كثير من الأنظمة المطلقة، فانتخب نظامًا هو أصلح الأنظمة وأقلها شراً وأكثرها خيراً، فلماذا المكابرة؟ لنقل هذه الكلمة وان كانت قاسية:(إذا لم يصنع إله الكون خيراً مما صنع، فلأنه لا يقد على أن يصنع خيراً منه) وأنت ماذا تقول لي في قصيدتك؟ تقول: تألم إلى الأبد أيها الشقي، فإذا كان - ثمت - خالق أوجد فهو قادر بدون شك على أن يزحزح عنك آلامك ويطلق نفسك من قيودها. ولكن لا ترج من آلامك أن تتزحزح، لأن من المحال أن تعرف لماذا وجدت إذا لم توجد للألم والموت.
إنني لأراني أتحرى عن أسباب الشقاء الأدبي في الإنسان الحر الكامل والإنسان الفاسد. وأما الشقاء المادي فإذا صح ما أشعر به فان بين المادة الحساسة والمادة الجامدة الميتة نزاعاً مستمراً، فهذا الشقاء وجوده محتم في كل جزء يتصل به الإنسان. وإذ ذاك يصبح سؤالنا (لماذا لم يخلق الإنسان سعيداً) لغواً لا معنى له. وإنما يسأل (لماذا وجد الإنسان)؟
وأقول: إن كل مصائبنا - ما عدا الموت - إنما نوطن لها بأسباب تتقدمها، وجل مصائبنا المادية تجنيها علينا أيدينا، عد إلى موضوع قصيدتك نفسها، وهب أن الطبيعة لم ترفع هنالك عشرين ألف منزل بطبقات مختلفات، وأن سكان هذه المنازل قد توزعوا فرقاً فرقاً في مساكن حقيرة، أفليست النكبة تكون أهون شراً إذا كان لا مفرَّ من النكبة؟
ولكن يتسنى لنا العودة إلى المذهب الذي ضربته، فلا غنى لنا حال تجريبه وامتحانه عن