كلا أيها الإخوان، إن شعر الشاعر وحده هو الذي ضمن له الأمارة، ويضمن له الخلود على الزمن وهو مرتبة أكبر من كل إمارة وما هو فرق الأمارة. . .
لقد كانت بدعة اقتضتها ظروف الحياة السياسية والاجتماعية في مصر منذ نصف قرن، فقد كان المصريون يرون الأتراك قد استأثروا دونهم بالألقاب الفخيمة والرتب العالية، فكان من مطالبهم أن يكون لهم نصيبهم من هذا، وكانت في نفوسهم لهفة على أن تكون أسماؤهم مقرونة بالألقاب والنعوت الكبيرة، وكان لهذه اللهفة صداها في دولة الأدب، ولما كان شوقي شاعر القصر في تلك الأيام فقد درجت الصحف يوم ذاك على تلقيبه بشاعر الأمير، ولما كان حافظ في الجهة المقابلة له فقد لقبوه بشاعر النيل، وهكذا شاعت الألقاب بين الشعراء والكتاب، فلقبوا الخليل بشاعر القطرين، وإسماعيل صبري بأستاذ الشعراء أو بشيخ الشعراء، وعبد المطلب بشاعر العروبة والبداوة، وولي الدين يكن بأمير الشعر والنثر، وجاء صديقنا الأستاذ أحمد رامي في عقاب ذلك ففاز من التركة (بشاعر الشباب) وهي الرتبة التي لا يزال يحملها إلى اليوم. . . وكان المرحوم الشاعر أحمد نسيم لا يجد من يخلع عليه اللقب المناسب فكان يرسل بقصائده إلى الصحف بعد أن يكتب لها مقدمة ثناء طويلة يخلع فيها على نفسه ما شاء من ألقاب، أقلها شاعر الوطن. . . ولما مات شوقي وحافظ وقف يقول:
ولو شئت كانت لي زعامة شعرهم ... وكنت لمن يأثم خير إمام
شوارد تزري بالحطيئة هاجياً ... وتعيي جريراً في مديح هشام
ولكن عهد حطيئة وجرير كان قد انقضى. . .
وكانت في نفس شوقي رحمه الله لهفة إلى نيل رتبة الباشوية، كما كان المتنبي يتلهف على الفوز بالولاية، ولكن الظروف لم تسعفه، فقد أبعد الخديوي عن مصر، وأبعد شوقي نفسه عن مصر، وتبدلت الأحوال والأوضاع، وخبأ أمله في تلك الرتبة، فأراد أن يعوض هذا على نفسه برتبة الأمارة في الشعر، فكانت الصحف التي تنطق باسمه تخلع عليه هذا اللقب دائماً، ثم كانت حفلة المبايعة المعروفة، وكان شوقي شاعراً كبيراً حقاً فضمن لنفسه هذه الأمارة، وضمن لنفسه الخلود وهو أكبر وأعظم من كل أمارة. . .