ومن المشاهدات التي سجلها النشوئيون ما هو صحيح لا ريب فيه، ولكن المذهب يشتمل على نتائج وتخريجات كما يشتمل على مبادئ ومشاهدات، وكل ما جاء فيه من قبيل النتائج والتخريجات فهو في حكم الفروض التي تحتمل النقض والإثبات، ولا يصح أن نفسر القرآن الكريم وفقاً لها وهي لا تزال في طور التدليل والترجيح.
والنظرية السديمية مثل آخر من هذه الأمثلة في محاولات التوفيق بين القرآن الكريم والفروض العلمية.
فمن علماء الطبيعة - والفلك خاصة - من يرى أن المنظومات الفلكية نشأت كلها من السديم الملتهب. وأن هذا السديم تختلف فيه الحرارة فيشقق، أو ينفصل بعضه عن بعض من أثر التمدد فيه، فتدور الأجرام الصغيرة منه حول الأجرام الكبيرة، وتنشأ المنظومات الشمسية وما شابهها من هذا التشقق وهذا الدوران.
فإذا ببعض المجتهدين المعاصرين يعتبر هذا القول فصل الخطاب في نشأة الأجرام السماوية، ويقول أنه هو المقصود بالآية القرآنية:(أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقتاهما وجعلنا من الماء كل شئٍ حي أفلا يؤمنون).
ولكن النظرية السديمية لم تنته بعد بين علماء الطبيعة إلى قرار متفق عليه.
فهل كان الفضاء كله خلواً من الحرارة، وكانت الحرارة الكونية كلها مركزة في السدم وما إليها؟
ومن أين جاءت الحرارة للسدم دون غيرها من موجودات هذا الفضاء؟ ألا يجوز أن يظهر في المستقبل مذهب يرجع بالحرارة إلى الفضاء في حالة من حالاته؟ أليس خلو الفضاء من الحرارة - إذا صح هذا الخلو - عجباً يحتاج إلى تفسير؟ أليس انحصار الحرارة في السدم دون غيرها أحوج من ذلك إلى التفسير؟
فالقول المأمون في تفسير الآية القرآنية أن السماوات والأرض كانت رتقاً فانفتقت في زمن من الأزمان. إما أن يكون المرجع في ذلك إلى النظرية السديمية فهو المجازفة بالرأي في غير علم وفي غير حيطة وبغير دليل.
واظهر من هذا وذاك جدالهم القديم حول دوران الأرض وثبوتها، أو حول استدارة الأرض وتسطيحها.