فقد تعسف بعضهم في تفسير آي القران الكريم فجزم بكفر القائلين باستدارتها ودورانها، وجعل القول بثبوتها وتسطيحها حكماً قاطعاً من أحكام الدين.
فما قول هؤلاء الآن وقد أصبحت استدارة الأرض مشاهدة من مشاهدات العيان؟
وما قولهم وقد اصبح دورانها مسالة من مسائل الحساب الذي يحصي كل حركة لها كما تحصى حركات كل قطار؟
وهكذا يخطئون في النفي كما يخطئون في الإثبات كلما علقوا آيات القران بهذه النظرية العلمية، أو الفروض الفلسفية التي تختلف الأقوال فيها باختلاف الأزمنة أو اختلاف الأفكار.
وقد تكون محاولات التوفيق مأمونة معقولة كقول الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله في تفسير الطير الأبابيل بجراثيم الأمراض التي تسمى بالميكروبات.
فالميكروبات موجودة لاشك فيها والإصابة بها محققة كذلك في مشاهدات مجربة لا تقبل الجدال. فإذا قال المفسر كما قال الأستاذ الإمام أن هزيمة أصحاب الفيل ربما كانت من فعل هذه الجراثيم
فذلك قول مأمون على الجواز والترجيح، ولكنه غير مأمون على الجزم والتوكيد، لان الحفريات التاريخية قد تكشف لنا غداً عن حجارة من سجيل أصيب بها أصحاب الفيل فجعلتهم كعصف مأكول. ومهما يكن من فروض العلماء في مختلف الأزمنة فان القران الكريم لا يطلب منه أن بتابع هذه الفروض كلما ظهر منها فرض جديد، وكلما يطلب منه أن يفتح باب البحث لمن يؤمنون به فلا يصدهم عن طلب الحقيقة حيثما سنحت لها بادرة مرجوة، وقد توافر ذلك في آيات القران الكريم كما لم يتوافر قط في كتاب ديني تؤمن به الأمم، فليس اكثر من الحث فيه على التفكير والاعتبار وطاب الحقائق من آيات خلق الله في الأرض والسماء:(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار).
وحسب المسلم أن يعمل بما علمه كتابه في هذه الآية وما جرى مجراها ليعطي العلم حقه ويطلب الحقيقة من حيث يطلبها الفكر الإنساني في عجائب خلق الله بين الأرض والسماء.