للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصميم حين قرر دراسة العلوم المدرسية بلغته الدخيلة، وقد عرف كيف يتهكم بالفرعون الغاشم حيث قال في وداعه:

فلم لا نرى الأهرام يا نيل ميّداً ... وفرعون عن واديك مرتحل غدا

فودع لنا الطود الذي كان شامخاً ... وشيع لنا البحر الذي كان مزبدا

لقد حان توديع العميد وإنه ... حقيق بتشييع المحبين والعدا

سنطوي أياديك التي قد أفضتها ... علينا فلسنا أمة تجحد اليدا

وفي رأيي أن هذه القصيدة التاريخية قد فاقت قصيدة شوقي في وداع العميد، لأن شاعر القصر لم ينطق عن شعور وطني دفاق وإنما غضب لولي نعمته حين هاجمه اللورد في حفلة وداعه، فنحت أبياته نحتاً، وأنت تقرأ ما نسجه أمير الشعراء فلا تحس بهذه اللوعة المتأججة في شعر حافظ، بل تجد شاعر القصر قد نسى الغرض الأصيل من القصيدة، فلم يطنب فيه إطناب شاعر النيل وإنما حرص كل الحرص على أن يندد في مطلع كلامه بما اقترفه اللورد في حفلة الوداع فقال:

أوسعتنا يوم الوداع إهانة ... أدب لعمرك لا يصيب مثيلا

في ملعب للمضحكات مشيد ... مثلت فيه المبكيات فصولا

شهد الحسين عليه لعن أصوله ... وتصدر الأعمى به تطفيلا

هلا بدا لك أن تجامل بعدما ... صاغ الرئيس لك الثنا إكليلا

ومهما يكن من شئ فإن نشأة شوقي الأولى قد باعدت كثيراً بينه وبين واجبه الأقدس. بل قد ورطته أسوء توريط فيما ينبغي أن يبتعد عنه؛ فقد هجا زعيم الثورة العرابية المفترى عليه لحاجة في نفسه، وأحجم عن رثاء أستاذه البارودي، كما لاذ بالصمت المريب إزاء فجيعة دنشواي، مع أنها زلزلت العالم أجمع بدويها الرنان، والأبيات القليلة المذكورة في الجزء الأول من الشوقيات عن هذه المأساة، قد قيلت بعد رحيل اللورد كرومر، وانقضاء عام كامل، جفت فيه الدماء، وانقطع الدوي، وتحدث الناس جميعاً بأن أمير الشعراء مقصر كل التقصير!!

(البقية في العدد القادم) محمد رجب البيومي

مدى الثقة في هيئة الأمم المتحدة:

<<  <  ج:
ص:  >  >>