للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إن أرهقوا صيادكم فلعلهم=للقوت لا للمسلمين تعصبوا

جلدوا ولو منيتهم لتعلقوا=بحبال من جلدوا ولم يتهيبوا

شنقوا ولو منحوا الخيار لأهلوا=بلظى سياط الجالدين ورحبوا

أو كلما باح الحزين بأنة=أمست إلى معنى التعصب تنسب

طاحوا بأربعة فأردوا خامساً=هو خير ما يرجو العميد ويطلب

حب يحاول غرسه في أنفس=يجنى بمغرسها الثناء الطيب

ولقد كان لهذه القصيدة دوى هائل في المجتمع المصري، فقد عارضها كثير من الشعراء، وبرزت المقالات السياسية مشتعلة بزفرات من أبياتها الدامعة، مما شجع شاعر النيل على المضي في سبيله، فوقف لكرومر الطاغية بالمرصاد يحاسب الحساب العسير في قواف تصرخ من الألم والرعب، وما كاد اللورد يصدر تقريره الخادع عما قدمه للأمة المصرية من إصلاح ورفاهية، ليبدو في صورة المنظم البريء حتى هجم الشاعر على هرائه الكاذب، ففنده بأسلوبه الرائع وصاح في وجهه يقول:

تمن علينا اليوم أن أخصب الثرى ... وأن أصبح المصري حراً منعما

إذا أخصبت الأرض وأجدب أهلها ... فلا أطلعت نبتاً ولا جادها السما

عملتم على عز الجماد وذلنا ... فأغليتمو طيناً وأرخصتمو دما

تهش إلى الدينار حتى إذا مشى ... به ربه في السوق ألفاه درهما

لقد كان فينا الظلم فوضى فهذبت ... حواشيه حتى صار ظلماً منظما

وبعد لأي رأت الحكومة البريطانية أن تدهن الشعب المصري فاستدعت جبارها العنيد إلى غير رجعة، وهب حافظ يشيعه بقصيدة فاضحة، فصلت آثامه المخزية واحدة وراء واحدة حتى ليجوز للمؤرخ المصنف أن يذكرها وحدها كسجل حافل بآثام المعتمد البريطاني، فقد تعرض فيها الشاعر إلى مواقف كرومر العدائية في الدين الإسلامي، ومناصرته للحركة التبشيرية المسيحية، ثم دلف إلى الشركات الأجنبية التي بثها اللورد في مختلف الجهات الأجنبية، تمتص الدماء، وتستنزف القوى، وندد بمجلس الشورى الذي أراد كرومر تكوينه من الأجانب والمصريين معاً، ولم يفته أن يعرج على الأصنام المصرية التي اتخذها العميد وزراء للدولة فكانت رهن إشارته وقيد رغبته، كما بكى اللغة العربية التي طعنها اللورد في

<<  <  ج:
ص:  >  >>