بل لقد ذهب أبو محمد بن حزم إلى رأي لا نحسبه معروفاً جيداً لجمهرة المسلمين قال:(ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة أو لحم خنزير، وهو يجد طعاماً فيه فضل عن صاحبه لمسلم أو لذمي، لأن فرضاً على صاحب الطعام إطعام الجائع، فإذا كان ذلك كذلك، فليس بمضطر إلى الميتة ولا إلى لحم الخنزير).
ويمضي أبو محمد فيقول:(وله - يقصد المسلم المضطر - أن يقاتل عن ذلك، فإن قتل فعلى قاتله القود، وإن قتل المانع، فإلى لعنة الله لأنه منع حقاً، وهو طائفة باغية، قال تعالى: (فإن بغتْ إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) ومانع الحق باغ على أخيه الذي له حق، وبهذا قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانع الزكاة، بالله تعالى التوفيق).
وبعد، فهل يسع المنصف أن لا يقرر أن المذاهب والمشروعات الاجتماعية الحديثة مع ما في بعضها من آراء تستحق التقدير، وتحمل على بعض الأمل في أن تطب لأدواء الفقر، لا تتسامى إلى المبادئ الإسلامية في دقتها وشمولها وعملها المنظم على موازنة الثروات، والتقريب بين الطبقات، وإقامة التكامل الاجتماعي، واحترام الإنسانية، وتمكين الأمة من حفظ قوتها وشوكتها.