وربما كان جديراً بالذكر أن الغزالي يحبب أن يطلب المتصدق لصدقته من تزكو بهم الصدقة، وهم عنده المتجردون للآخرة، وأهل العلم، والصادقون في تقواهم، والمخفون حاجتهم، والمعيلون أو المحبوسون بمرض وذوو الأرحام.
١٠ - وتختط الشريعة في محاربة الفقر مذهباً وسطاً، لا يضار منه الغني ولا تفوت بسببه المصلحة على فقير، فهو يحدد مقادير الزكاة تحديداً معقولاً، ولا يفرض على الأغنياء أكثر منها إلا أن تحدث أمور توجب المواساة والإعطاء كأن يوجد جائع مضطر أو عار مضطر أو ميت ليس له من يكفنه ولا من يدفنه.
ولقد ذهب أبو ذر إلى عدم جواز ادخار الذهب والفضة، وروى أبو هريرة أن النبي (ص) لم يحب لنفسه أن يكون له ذهب، ولكن الرد على هذا أن النبي قدر الواجب من الزكاة في الذهب والفضة، فلو كان إخراج الكل واجباً لما كان للتقدير وجه، وقد في الصحابة ذوو يسار ظاهر مثل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وعلم النبي ذلك منهم فلم يأمرهم بإخراج الجميع.
١١ - والإسلام يفرض الجهاد بالمال مثلما يفرضه بالنفس قال تعالى:(. . . إن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم. . .)، وجهاد المرء بماله يكون بإنفاقه في إعداد ما يلزمه للجهاد من العدة بمختلف أنواعها، ويكون أيضاً بإنفاقه على غيره من المجاهدين وإمداده بالزاد والعدة. والشريعة تعنف أشد التعنيف كل من نكل من الجهاد.
١٢ - وهي تفرض على الحجاج الهدايا يوزعون لحومها على الفقراء، وتوجب على الموسرين نحر الضحايا وإعطاء الفقراء أيضاً منها.
وكذلك كفارات الرُّخَص في العبادات وكفارات كثير من الأخطاء واجبات مالية ينتفع بها الفقراء الذين لا تبرح الشريعة تنظر في مصالحهم.
١٣ - ومن المبادئ الإسلامية البالغة الأهمية والتي تُغني عن التطلع إلى النظم الوضعية أن الشريعة تقتضي الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم وأن يجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بينهم:
فيقام للفقراء بما يأكلون من القوت الذي لابد منه، وباللباس للشتاء، والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة.