فأمر الملك أن ينبعث أعوانه في أرجاء البلاد وينتشروا في مختلف ربوعها. ويأتوه ببعض الفلاحين الذين بلغوا من العمر عتياً.
فلم يلبثوا بعد حين أن فازوا ببغيتهم. . فأحضروا إلى الملك رجل تقدمت به السنين فأحنى ظهره ثقلها. . فراح يتوكأ على دعامتينز معروق الوجه، شاحب اللون مهدل العارضين مغضن البشرة. .
فناوله الملك حبة القمح. . . بيد أن كفافة بصره قصرت به عن رؤيتها. . . فراح يتحسسها بين أنامله الجاسية. فسأله الملك:
(هل لك في أن تخبرنا. . . أيها العجوز عن المكان الذي كان يزرع فيه مثل هذه القمحة؟! ونبئنا إن كنت قد اشتريت أو زرعت شيئاً مثلها في حقولك؟!. . .)
كان بسمع الشيخ وقر جعله عاجزاً عن الإصغاء إلى ما قاله الملك. . . بيد أنه لم يلبث أن أدركه في مشقة وجهد. فقال بعد أن مكث حيناً لا ينبس:
- (كلا. . . إني لم أزرع ولم أحصد مثلها قط في حقلي. كما أني لم أشتر أبداً شيئاً يشبهها. . . وحينما كنا نتبايع القمح كانت حبوبه صغيرة في مثل حجمها اليوم. . . غير أنه يجمل بك أن تسأل أبي لعله سمعه قد وعى عن الفج الذي كانت تزرع فيه!)
فبعث الملك برجاله في طلب والد الشيخ. . . فعادوا به وهو يمشي معتمداً على عصا غليظة. . . فلما ناوله الملك حبة القمح. . . قلبها بين يديه، وراح يمعن فيها النظر، وقد عجز الكبر عن أن يذهب بحدته!. . . فسأله الملك:(أما في قدرتك أيها العجوز أن تخبرنا عن المكان الذي كان يزرع فيه مثل هذه القمحة؟! وهلا أنبأتنا إن كنت قد اشتريت أو زرعت مثلها في حقولك؟)
لم يذهب الثقل بمسمع الشيخ، بل ما زال سمعه خيراً من سمع ولده. . فأجاب الملك في صوت هادئ رزين:
- (كلا!. إني لم أزرع ولم أحصد مثلها في حقلي!. . كما أني لم أشتر شيئاً يشبهها!. فما كان للنقود تداول في أيامنا. . فكان كل امئ يزرع قمحة. . . وما زاد عن حاجته يهبه من في عوز!.
لست أدري أين كان يزرع مثل هذا القمح. . . ولكنني أعتقد أن القمح في عهدنا كان أكبر