حجماً وأكثر دقيقاً منه في أيامنا هذه. . . بيد أنه - مع ذلك - لم يبلغ حجم هذه القمحة. وأحسبك واجداً عند أبي فائدة وعلماً عنها! فسله)
فأرسل الملك من يأتي بوالد الشيخ. . فغابوا حيناً، ثم عادوا به إلى حضرة الملك!. . يسعى في سيره في خفة ونشاط له بصر ثاقب وسمع مرهف. . . ولسان ينطق في جلاء!. .
فلما مد الملك له يداً بحبة القمح. . . تناولها منه. . . وراح يقلبها في راحتيه. . . ويمعن فيها النظر. . ثم لم يلبث أن ارتفع صوته في هدوء (لم أر مثل هذه القمحة إلا منذ زمن سحيق. . سحيق جداً!.) وقضم شطراً من الحبة بثناياه، وأخذ يتذوقها بفمه!! واستطرد في قوله:
- (إنها نفس النوع!. . .) فسأله الملك:
- (ألا حدثنا أيها الجد الوقور. . . في أي مكان وفي أي زمان، كان الناس يزرعون هذا القمح. . . وهلا خبرتنا إن كنت قد ابتعت أو زرعت مثلها في حقولك؟!. .)
فأجابه الشيخ: -
. . . كان هذا القمح يزرع في كل البقاع في أيامي لقد طعمته في شبابي، وأطعمت غيري منه!. وطالما زرعناه في أراضينا. . وحصدناه. . . ودرسناه!!.)
فقال الملك وقد استبد به العجب وتملكه الفضول: -
(هل كنت تبتاعه؟! أم كنت تزرعه بيديك؟!)
فتريث الشيخ حيناً. . . كأنه يسبر غور الماضي، ويستعيد ذكراه - وقد ضرب النسيان عليها سجنه وأرخى دونها سندوله - ثم أجابه:(لم يكن ثمت واحد. . في أيامي. . يجسر على أن يأتي هذه الخطيئة. . أن يبيع أو يشتري الخبز. . ولم نكن ندري شيئاً عن هذه النقود التي تتداولونها الآن. . فكان لكل امرئ كفايته من القمح والزاد!.)
- بالله خبرني أين توجد أراضيك حيث كنت تزرع فيها ذلك القمح؟!.)
فتبسم الشيخ وأجابه في هدوء:
- (كان حقلي هو (أرض الله) الواسعة. . . أينما زرعت وحيثما غرست فهذا حقلي. . . فكانت الأرض مباحة طليقة بين الناس! وما كنت تجد واحداً يجرؤ على القول بأن هذه الأرض ملكه. . بل العمل هو وحده الذي كان ملكاً للناس):