تدخل حديقة واسعة جدا في وسطها بناء تفضي إليه طرق أربعة مبلطة فيها قنوات وأحواض. وكل طريق يمتد بين باب للحديقة وهذا البناء. سرنا من المدخل في إحدى هذه الطرق إلى دكة رقينا إليها ست درجات. وفوقها دكة أخرى عظيمة عالية مربعة في كل ضلع منها خمسة عشر عقدا أوسطها يفضي إلى خمس وعشرين درجة تصعد إلى القبة الحانية على الضريح - كما يرى في الصورة.
وعلى الدكة العالية بناء مربع الجوانب وسطه قبة شامخة من الرخام الأبيض تحيط بها حجرات متواصلة في هندسة محكمة جميلة. وفي هذه الحجرات قبور قيل لي أنها ست وخمسون لأمراء الدولة وأعيانها.
ودخلت فإذا قطعة من المرمر جاثمة في الوسط تحتها رفات همايون وفوقها قبة تقوم على ثمانية عقود. ولا تبدوا القبة عالية من الداخل لأنها قبة مزدوجة أي قبتان إحداهما فوق الأخرى. وهي أول قبة من هذا النوع في الهند. وقد رأيت في مسجد الشاه بأصفهان قبة عظيمة فوق القبلة مزدوجة يتردد صدى الصوت تحتها عشر مرات او اكثر، ولكن قبة همايون لا تردد الصدى كأنما أخرسها جلال الموت، أو هيبة الملك.
خلعت نعلي وخطوت خطوات إلى القبر فوقفت واجما خاشعا حينا ورافعا بصري إلى القبة حينا. فقلت: قبر عظيم ولكن ذكرى همايون اعظم. إن عزمك الماضي أيها الملك الهمام، وهمتك العالية طويتا في هذا اللحد. لا بل هما ملئ التاريخ.
قرأت الفاتحة خاشعا وخرجت.
ثم صعدت إلى السطح المحيط بالقبة فإذا هذا التناسق الكامل الذي يميز لبنية السلاطين التيموريين كلها. في كل جانب قباب يصعد إليها درج. وفي الزوايا قباب اصغر منها في تناظر تام وتناسب لا يتسع المجال لتفصيله.
نزلت وخرجت مع الرفاق والتاريخ يمر أمامي سريعا فأرى همايون فاتحا، وهمايون دفينا، وارى الأحداث تتوالى فتشمل الدولة أرجاء الهند كلها ويجمع البلاد سلطان واحد لأول مرة في تاريخها ثم يجزر البحر فتضعف الدولة ويتسلط الإنكليز.
وتتوالى الخطوب حتى أرى بهادر شاه آخر السلاطين من ذرية همايون يحتمي بحرم جده،