وصدق ظني فقد رفع العسكري يده إلى رأسه بالتحية، وراح يفهمني أن هؤلاء هم سارقو الجيوب وخاطفو الحلي. . . و. . . و. . . فقاطعته وأنا أوهمه أني أحفظ رقمه قائلاً (لا تضربهم مرة ثانية) ونظر إلى هؤلاء المساكين وقرأت في كل وجه من وجوههم الشاحبة معنى أسمى من أن أصفه بالشكر. . . ووقعت نظراتهم من نفسي موقعاً لن ينهض لتصويره أبلغ الكلام. . .
وتدخل شاب حاسر الرأس عليه حلة أنيقة وتحت إبطه مجلات وكتب فخاطب الشرطي في عنف قائلاً:(ألك أولاد يا شاويش؟ أترضى أن يعامل أولادك هذه المعاملة؟) ثم أدار إلي الحديث قائلاً (ومع ذلك فنحن كما نزعم أمة متمدنة. . . في أي بلد متمدن يوجد مثل هؤلاء المساكين في الشوارع على هذه الصورة؟ وأين ما نسمع عنه من أسماء المبرات وجمعيات الإحسان والخير؟. . لقد مر بي منذ لحظة قطيع من العجول يدفعه فلاح عات كما يدفع هذا الشرطي الصبية فاشمازت نفسي لذلك المنظر وتكدر خاطري، ثم ما لبثت أن رأيت هؤلاء المساكين. . . ألا إن بيننا وبين الرقي أجيالاً وأجيالا وإنما تخدعنا العمارات الضخمة والسيارات الفخمة والعواصم الكبيرة).
وانطلق الشاب وقد غاب عن بصره وبصري الشرطي والغلمان، وقلت لنفسي ما أوسع الفرق بين مصير العجول ومصير الصبية، فإنما تساق هذه العجول إلى حيث تريحها سكين الجزار، ويساق هؤلاء الصبية إلى حيث ينتظرهم العذاب الأليم!
الخفيف
رسائل حائرة:
الرسالة الثالثة. . .
للأستاذ إبراهيم محمد نجا
حسبتك تعرفين دواء روحي ... وخلتك تعطفين على جروحي
ولكني وجدتك لم تبالي ... بما يلقى أخو القلب الطليح!
بثثتك ما ألاقي من زماني ... وبحت بما لدي؛ لكي تبوحي
فكان الصمت والإعراض رداً ... أقض مضاجعي، وأمض روحي