فيقبل الحكم ويبدي جزعه، ويأتي الناصر، ويستحث الحكم على النهوض للسير بالجيش المعبأ إلى ميدان القتال، فيتثاقل، فيؤنبه الناصر ويبدي استعداده لقيادة الجيش بنفسه وهو في الشيخوخة، فينهض الحكم من جوار جثة حبيبته، ليذهب إلى ملاقاة الأعداء. وتلتقي الستارتان.
فترى من حوادث المسرحية أن الخيط الذي ينتظمها واهن وهذا الخيط هو حب الحكم لشفق، والظاهر أن الهدف عرض صفحة مشرقة من التاريخ العربي الإسلامي في الأندلس، فيمكن أن يقال غن مسرحية (الناصر) هي مجموعة من المناظر المتخيلة في عصر عبد الرحمن الناصر، ويكون هذا القول أدق من أن تكون قصة أو رواية ذات حبكة، ولها محور تدور عليه الوقائع التي تعبر عن الغرض منها، فهي من هذه الناحية تختلف عن مسرحيتي (قيس ولبنى) و (العباسة) اللتين وضعهما المؤلف من قبل.
وكذلك تختلف مسرحية الناصر عن المسرحيتين السابقتين في أسلوب الحوار، فقد عدل الشاعر في هذه المرة عن الأسلوب الخطابي المطول إلى المخاطبة بالقدر الطبيعي المعقول وإلى اللباقة وبراعة اللفتة، مما بعث الحياة في الحركة على المسرح. وقد تجلت إنسانيته في المواقف التي أنطق فيها أشخاصه بالألم من ألوان في الحياة يبدو في ظاهرها النعيم، كحياة الخصي في القصور الخالية من الزوجة والأبناء، وكعيش الجواري في ظلال النعمة السابغة، محرومات من الحرية والكرامة. . . وسمت شاعريته على لسان شفق وهي تتذكر معاهد صباها في ديار قومها وتقارنها بحياة الذل والإسار في ديار الغالبين، وأجادت أمينة رزق في تمثيل ذلك كل الإجادة.
والمسرحية جيدة من حيث هي شعر، وقد نجحت بعض النجاح في تحقيق الغرض منها، وهو إظهار صفحة مشرقة من مجد العرب بالأندلس، ولم أقل بتمام نجاحها في هذا، لأنها لم تستكمل عرض عناصر ذلك المجد، فقد كان عصر عبد الرحمن الناصر العصر العربي الذهبي بالأندلس الذي يماثل عصر الرشيد بالمشرق، ولم تقم (ذهبية) ذلك العصر على القوة العسكرية فحسب بل قامت، إلى جانبها، على التقدم في العلوم والفنون والآداب، والحديث عن شغف الناصر بها وارتقائها على يديه مأثور مستفيض. ولكن مسرحية (الناصر) قليلة الحظ من هذه العناصر، وبعض هذا القصور يرجع إلى الإخراج وبعضه