إلى التأليف، فقد كان يمكن أن يعرض شيء من النقوش والتماثيل التي كانت يتحلى بها قصر الزهراء والقصر الكبير في قرطبة، والتي أفاض المؤرخون في الحديث عنها والإشادة بفخامتها ورقائق صنعها. وقلت الموسيقى، وأهمل الغناء كل الإهمال، وقد قدمت إحدى الجواري المهداة إلى الخليفة ووصفت بأنها تجيد الضرب على الطريقة العربية، وكانت الزهراء مغنية، ولكنا لم نسمع من الزهراء ولا من تلك الجارية شيئاً. . . هذا واسم الفرقة التي تقدم المسرحية (الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى والغناء!).
وقد أثر عن عبد الرحمن الناصر الشغف بالعلوم والولع باقتناء الكتب، ولكنك تراه على مسرح الأوبرا يتلقى هدية من ملك الروم هي كتاب في النبات، ولا يظهر من الاهتمام أكثر مما تظهر وأنت تساوم أحد الباعة الطائفين بالكتب على المقاهي.
وقد وقع المؤلف أو المخرج، لا أدري أيهما، في أمر شائع في التمثيل المسرحي والسينمي عندنا، وهو تهيئة (أدوار) لبعض الممثلين والممثلات اشتهروا بها وعرفوا بالظهور فيها، (والدور) هنا أعد لأمينة رزق، أعد لها لكي تبكي وتصرخ وتنتحب. . ندماً على الإثم الذي اقترفته. وقد بالغت في ذلك حتى جاوزت الحد.
وقد نقل إلينا التاريخ من وصف عبد الله بن عبد الرحمن الناصر، انه كان تقياً ورعاً، ولكنا رأيناه على مسرح الأوبرا على خلاف ذلك، رأيناه يغازل الزهراء جارية أبيه مغازلة جريئة حتى اضطرت إلى زجره والعنف في مخاطبته، ورأيناه يغاضب أخاه ويعارض في ولايته للعهد، ويخرج عن طاعة أبيه، دون أسباب تتفق ووصف المؤرخين له. . ويبدو لي أن المؤلف كان هنا في مأزق، لأنه مضطر بحكم الغرض أن يظهر شأن الناصر في مظهر حسن، وهذا المظهر لا يتفق مع إيراد أسباب معقولة للخروج عليه، فضحى بعبد الله!
وقد رأيت آخر حوادث المسرحية اعتراف (شفق) بجريمتها وهي نقل أسرار الدولة غلى الأعداء، فلم يقبض عليها، ولم يحقق أمرها، ولم يبحث عمن تتصل بهم، بل وبخها الخليفة وانصرف وعاتبها ولي العهد ومضى. . ثم طعنت بخنجر وأقبل ولي العهد، فجعل يتوجع لها ويتفجع، ويطيل في التعبير عن ألمه وعاطفته بصوت جامد لا تخالطه نبرة حزن. . وكل ذلك دون أن يسألها عمن طعنها ودون أن يبحث عن القاتل الأثيم، ويقبل الناصر ويرى القتيل ولا يسأل أيضاً ولا يبحث عن اليد الخفية المتصلة بالأعداء وتلتقي الستارتان.