لملاقاتي، وبعد أن نتناول طعامنا بين حديث ولعب، تجيء مرغريت بالقهوة، فأجلس أحتسيها، وتجلس هي بجانبي وتسند رأسها إلى كتفي، فأستنشق عبيرها، وأستروح أنفاسها، ثم أقبلها قبلة طويلة.
هذا ما يعده لي صباح الغد، وهذا ما سألقاه فيه من حرية وسعادة وحب. . .
ولكن كل هذا لن يكون. . . فسأنتحر بعد قليل. . ريثما يسود وجه الصحيفة التي اكتتبت عليها هذه الكلمات. فالحبل الذي أعددته من غطائي متين والقضبان الحديدية في النافذة سميكة!
يجب أن لا أخرج صباح الغد من قبري هذا إلى الحياة. إذ لو خرجت لارتكبت آثاماً أخرى. فإني لا أقوى على رؤية مرغريت واقفة أمام حانوت الجوهري تلتهب نظراتها إلى أساور من ذهب أو تصعد زفراتها وراء قرط من جوهر، أو تنظر إلى خاتم من ماس ثم ترجع النظر حاسراً إلى أصابعها العاطلة. عند ذلك أقسم بالله أني أعود فأسرق لأجيء لها بما يرضي نظرتها ويهدأ زفرتها ويحقق رغبتها. . . يالله. هل انا مجرم من أكبر الناس إجراماً؟ أم أنا مجنون ضل عني رشادي؟ لا أعلم غير أمر واحد، هو أني أعود فأسرق لرضى مرغريت. . .
يا لها من امرأة. ويا لعظيم حبي لها ووجدي بها منذ أول يوم رأيتها. إني لأذكر ذلك اليوم وأذكر أني كنت مع صديقين دعياني للذهاب معهما إلى (مونمارتر) حيث كانت حفلات العيد قائمة واللهو رخيص ثمنه، سهل مناله. وكنت متعباً ذاك المساء فرفضت دعوتهما أولاً ولكنهما الحا علي فقبلت أخيراً. . .
وجئنا (مونمارتر) فكانت مساحاته تموج بآلاف من الخلق فوقفنا أمام احد مراقصه فوجدنا فتاتين ترقصان، فحادثاهما أحد صديقي وجلسنا معهما. وكان مجلسي بجانب إحدى الفتاتين وكانت شقراء الشعر جميلة الوجه محتشمة الحديث فقيرة الهيئة. وحادثتهما فكان صوتها جذاباً كعينيها وقال لها أحد صاحبي كلمة غليظة خلال الحديث فلم تجبه إلا بابتسامة مغتصبة تدل على أدب الفتاة وأنها غير راضية لما هي فيه من حال، ودعوتها لمنزلي، وقصت على الفتاة باكية - وإني لأحس حرارة دموعها حتى اليوم - قصة مجيئها إلى هذه الحياة من أحد أبوابها المظلمة وطفولتها البائسة وفقرها المؤلم وإيصاد كل باب رزق دونها