وتشريدها آناء الليل في شوارع باريس الباردة المظلمة. ثم زلتها الأولى، واندفاعها في ذلك التيار الذي طالما حمل في سيره ضحايا لا عداد لها، فبكيت رحمة لبكائها، وعرضت عليها أن تجيء فتعيش معي عيشة الفضل والعفاف فقبلت راضية وسرني رضاها وأظنني أتيت أمراً لا طاقة لي به غذ ذاك، فإن ما أتقاضاه من مرتب ما كان يسمح لي بمعاشرة امرأة اللهم إلا إذا كانت امرأة مقتصدة تقنع بالقليل ولا تطلب الكثير ومرغريت با للأسف ليست كذلك. فقد كانت تختبئ في قرارة نفسها الفتاة الباريسية التي تشارف في غدوها ورواحها حوانيت الحلي والحلل، وتلامس في سيرها وركوبها السيدات اللائي رزقن الغنى بثمين اللباس وغالي الزخرف وكنت أرجع من عملي ظهر كل يوم فأراها ملازمة لسريرها لا تفكر فيما يقتضيه المنزل من عمل فحاولت أن أصلح من أمرها وأقوم من خلقها فأجابتني بقسوة ماذا تريد؟ هكذا خلقت فدعني وابحث عن سواي، فلن تصلحني مهما حاولت فلم ادر كيف أجيبها على قولها، فإنها لا تبالي بي. وأصبحت لا أستطيع عنها فراقاً ففكرت في أن أضحي قليلاً من راحة فؤادي وأقطع ما بيني وبينها من صلة. ولكني فكرت أيضاً في أنها لن تكاد تفارق بابي حتى تعود سيرتها الأولى؟ من حياة يملؤها العار، ومن ليل بؤس ليس له نهار، فعدلت عن فكرتي رحمة بها وحباً لها، ثم كيف أهجرها وقد تغلغل حبها في صميم فؤادي وأصبحت أرى ليالي الطويلة الباردة عامرة بمن يسلي وحدتي ويزيل وحشتي، أأهجرها وأنا أحبها أكثر من أمس وأقل من غد؟ أأهجرها وهي أول امرأة خفق لها فؤادي وأول من غرام مشت ناره بين أضلاعي!
واشتريت لها كل ما وسعته ثروتي من لوازم النساء وصحبتها إلى كل مسارح اللهو ومراتع السرور خشية أن تمل مكثها في المنزل وهي ابنة اللهو والسرور. وضاقت يدي ذات يوم عن قضاء حاجة لها فاستدنت وكان أول ما استدنت. . فأهمني أمره وأرقني وقره. . . ولم أنج به لمرغريت. . . وعلام وأنا أتوقع ردها، وماذا تريد أن أفعل لك، دعني وشأني!. . ولنفصل أحدنا عن الآخر ثم استدنت مرة أخرى. وأنا لا أبوح لها بما في نفسي من خوف مؤلم من المستقبل المظلم.
وإني أقول ما سأقول الآن وأنا واثق من صحته. ذلك أن كل الرجال الذين رمت بهم يد الغرام أو يد المرأة إلى مثل موقفي هذا يحاولون خلاصاً من هذا الموقف بغشيانهم ما