للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العيش بعد مماته. فكان في تجاوز القبرين لمن يعرف سيرة الرجلين قصيدة صوفية بليغة.

وزرنا ضريح نظام الدين وهو حجرة واحدة حولها سياج من الرخام الأبيض المخرّم في دقة وإتقان وعليها قبة جميلة، وعلى جدران الحجرة وعلى المقصورة من بدائع الصنع، والتحلْية ما يشغل بصر الزائر حتى في هذا المقام الجليل المهيب، ورأينا هناك حلية مهداة من نظام حيدر أباد.

ورأينا أبياتاً فارسية أرّخ فيها موت الشيخ بكلمة (شهنشاه دين) =٧٢٥.

وكذلك قرأت عند قبر أمير خسرو أبياتاً فيها تاريخ وفاته بكلمات فارسية (طوطي شكر مقال)، وكلمتين عربيتين (عديم المثل) وكلتا العبارتين يدلان على سنة ٧٢٥هـ.

ورأينا على مقربة من هذه الحجرة قبة كبيرة على قاعة واسعة يقال إن السلطان علاء الدين بناها ليدفن فيها الشيخ فأبى الشيخ أن يكون فيها قبره، واتخذها مسجداً.

وفي جواز الشيخ قبور لأمراء الدولة التيمورية وأميراتها، عائذاتٌ بهذا الجوار الكريم. كل قبر حوله سياج من الرخام أظهرت فيه الصنعة قدرتها وإبداعها كأنما هذا الحجر كان شمعاً في يد الصانع أو عجيناً.

وشدّ ما أثر في نفسي بين هذه القبور قبر جهان آرا (زينة الدنيا) بنت السلطان شاه جهان، وقد بلغ منى بيت بالفارسية منقوش على لوح من الرخام هناك:

بغير سبزه نبو شد كسى مزاريرا ... كه قبر بوسن غريبان همين كياه بس است

لا يكسُ أحد قبراً بغير خضرة النبات العشب ... فكسوة قبور الغرباء هذا العشب وكفى

وبعد هذا البيت باللغة العربية:

الفقيرة الفانية جهان آرا مريدة خواجكان (أي الشيخ نظام الدين) بنت شاه جهان بادشاه غازي أنار الله برهانه سنة ١٠٩٢ وما فصلنا من هذا العالم عالم الأخرى، وفي النفس ملؤها من ذكريات الدنيا أوينا إلى قاعة فاسترحنا وشربنا الشاي في ضيافة الشيخ حسن نظامي من ذرية الشيخ.

وقرأت على الجدار أشعاراً صوفية بالفارسية من مأثورات نظام الدين أوليا.

(للكلام صلة)

عبد الوهاب عزام

<<  <  ج:
ص:  >  >>