عليه نواحي الحياة كلها وليس خاصاً بالقرآن الكريم وحده؛ ذلك أن الكلام يجب أن يكون لألفاظه مدلولات حقيقية تنصرف إليها تلك الألفاظ ولا يعدل عنها إلا إذا وجدت قرينة تمنع من إرادة تلك المدلولات الحقيقة فإنما هو في غير القرآن خبل وجهالة وإذا ادعى شيء من ذلك في مقام القرآن الكريم فهو خبل وجهالة وزندقة يخرج بها صاحبها من عداد المسلمين لأنها تعطيل لكلام الله تعالى الذي أنزل لهداية البشر أجمعين.
ومن المسلمين من يقف في تفسير القرآن الكريم عند هذا الحد لا يتعداه؛ بل يحمل الكلام على الحقيقة من أمكن ذلك ثم على المجاز الذي تدل عليه القرينة عند وجودها، ولا يقولون إن القرآن يشير من وراء هذه الحقيقة أو هذا المجاز إلى شيء من باب الإشارة والإيماء لأن هذه الإشارة وهذا الإيماء لا تدل الألفاظ عليه.
ويقول الصوفيون من المسلمين إن في القرآن إشارات وأسماء من وراء تلك الدلائل الحقيقية، وهذه الدلائل الإشارية الإيمائية ملحوظة عند هؤلاء الصوفيين مرعية لديهم حق رعايتها.
فمذهب الصوفية يخالف مذهب الباطنية كل المخالفة لأن الباطنية يعطلون الألفاظ عن مدلولاتها. فهم لا يعتبرون آدم شخصاً ولا الملائكة موجودات، ولا الجنة شيئاً، ولا لإبليس حقيقة؛ إنما يقولون في ذلك كله مل يقول الأستاذ خلف الله إن القرآن في ذلك لم يتشبث بالواقع، أما الصوفية فيقولون بأن كل هذه الألفاظ لها مدلولاتها الحقيقية ثم يشير مجموع القصة إلى أمور أخر كالتي ذكرها الأستاذ الإمام في قوله: وتقرير التمثيل في القصة على هذا المذهب هكذا: (إن إخبار الله الملائكة بجعل الإنسان خلفة في الأرض هو عبارة عن تهيئة الأرض وقوى هذا العالم وأرواحه إلى آخر ما قال. فمحال أن يكون الإمام قد قصد إلى تعطيل الألفاظ والذهاب مذهب الباطنية.
وإني ناقل هنا عبارة الأستاذ الألوسي إذ تشرح هذا المنهج وترى الأستاذ خلف الله أنه كان على جهل حين زعم أن من المسلمين من يرى أن القصص القرآني لا يتصل بالواقع وكان على خطأ لم يفهم به كلام الأستاذ محمد عبدة؛ قال الألوسي: وأما كلام السادة الصوفية في القرآن فهو من باب الإشارات إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك، ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة، وذلك من كمال الإيمان ومحض العرفان لا أنهم اعتقدوا أن الظاهر