غير مراد أصلا وإنما المراد الباطن فقط إذ ذاك اعتقاد الباطنية الملاحدة توصلوا به إلى نفي الشريعة بالكلية، وحاشا سادتنا من ذلك؛ كيف وقد حضوا على حفظ التفسير الظاهر وقالوا: لا بد منه أولاً إذ لا يطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر، ومن ادعى فهم أسرار القرآن قبل أحكام التفسير الظاهر فهو كمن ادعى البلوغ إلى صدر البيت قبل أن يجاوز الباب.
والألوسي في تفسيره ينهج هذا المنهج أبداً فهو يفسر الأسلوب القرآني على حقائقه اللغوية فإن قامت قرينة على غير الحقائق انصرف إلى المجاز الذي تدل عليه اللغة؛ ثم يعقب على ذلك كله بتفسير الصوفية فيقول: ومن باب الإشارة. . . ويذكر الإشارات الصوفية في ذلك المقام.
والأستاذ محمد عبدة نهج هذا المنهج نفسه، واختار لنفسه في المتشابه منهج السلف والأخذ برأي الخلف فيه عند الإمكان وعند الداعية إليه في فهم الكلام ثم يذكر مذهب الصوفية وهم من الخلف ويقرر مذهبهم الإشاري كذلك ويصرح في كثير من كلامه بكلمة الإشارة وبكلمة الإيماء؛ فقال في ص٢٦٩ من الجزء الأول من المنار: فإذا صح الجري على هذا التفسير فلا يستبعد أن تكون (الإشارة) في الآية إلى أن الله تعالى لما خلق الأرض ودبرها بما شاء من القوى الروحانية التي بها قوامها ونظامها؛ وجعل كل صنف من القوى مخصوصاً بنوع من أنواع المخلوقات لا يتعداه ولا يتعدى ما حدد له من الأثر الذي خص به خلق بعد ذلك الإنسان وأعطاه قوة يكون بها مستعداً للتصرف بجميع هذه القوى. . .
وقال صاحب المنار في تلك الصفحة نفسها: (وأقول إن غرض الأستاذ من هذا التأويل الذي عبر عنه بالإيماء وبالإشارة إقناع منكري الملائكة بوجودهم. وكان مساق هذا الكلام كله بعد عبارة طويلة نقلها من كلام الغزالي في الإحياء. فهو إذن بيان لمذهب الصوفيين.
فمن الافتيات على الأستاذ محمد عبدة افتياتاً جريئاً فيه عدم الاستحياء من الحق ما قاله الأستاذ محمد خلف الله عن الإمام محمد عبدة إذ ينسب إليه أنه يرى أن القصص القرآني لا يلتزم الواقع أو أنه جرى مع أحد هذا المجرى وذهب معه هذا المذهب الذي يدعيه.
ولقد حاولت أن ألتمس للأستاذ خلف الله بعض المعاذير، ولو أوهاها في التورط فيما تورط فيه فمنعني سلوكه، وحالت بيني وبين ذلك خلائقه؛ ذلك أنني وجدته مدلساً في النقل خائناً