ومن الظواهر الواضحة في سيوة أن الزائر لها يرى وهو في وسط سوق صخرة مرتفعة تشرف على ميدان السوق وقد علتها منازل من الملح والطين ونزعت سقوفها وتهدمت جدرانها، وظهرت بشكل بشع مخيف، وليست تلك المنازل إلا سيوة القديمة هجرها أهلها من فوق الجبل بأمر الحكومة من زمن غير بعيد وأقطعتهم أراضي في سفح الجبل وفي الأرض الواطئة المجاورة له فبنوا منزلهم الحالية.
وكان الأهالي يقطنون فوق الجبل في تلك المنازل المتلاصقة، وقد أحاطوا منازلهم بسور مرتفع يضم القرية كلها، وفتحوا في ذلك السور فتحات صغيرة كفتحات الحصون الكبيرة التي تعملها الجيوش لرؤية العدو ولإطلاق النار منها، ووصل ارتفاع هذا السور في بعض الجهات إلى نحو خمسين متراً، وصنعوا في ذلك السور عدة أبواب ضخمة من خشب النخيل كانت تقفل أثناء الليل حينما يأوى سكان الواحة إلى منازلهم.
وقد سألت عن الغرض من سكنى السيويين في الماضي في مثل هذا الحصن فوق الجبل، فعلمت أنهم إنما فعلوا ذلك حفظاً لأنفسهم من هجوم أعراب الصحراء الغربية، إذ أنهم كانوا يحضرون بالليل لنهب سيوة وسبلها.
وبدأت منازل سيوة القديمة فوق الجبل متجاورة كالمعتاد في كل القرى، ولكن لما زاد عدد سكان الواحة بنوا منازل أخرى فوق المنازل القديمة حتى لا يخرجوا على السور الخارجي الذي هو حصن لهم، ولذا فبدلا من أن تسع رقعة الواحة كلما ازداد سكانها بدأت ترتفع أبنيتها وهي في نفس المساحة الضيقة التي ابتدأت فيها. وهكذا استمر الحال وبمرور الزمن ازدحمت الأبنية فوق بعضها، وضاقت أزقتها وشوارعها وتعرجت منافذها حتى أصبحت أشبه شيء بخلية النحل، بل وصل الأمر ببعض المنازل أن أصبحت وهي داخل السور أكثر ارتفاعا من السور نفسه وأصبحت الشوارع لاتسع رجلين يسيران متجاورين فيها، وأظلمت جميع أنحاء القرية من ارتفاع المنازل وضيق المنافذ التي توصل الضوء إلى فتحاتهم الصغيرة التي كانوا يفتحونها على أنها نوافذ، وأصبح السائر فيها يحتاج في الواقع إلى مصباح يحمله معه أثناء النهار لينير له الطريق. على أن الذي يقف فوق تلك المنازل يرى أمامه الواحة بحقولها الخضراء وحدائقها اليانعة بأشجار الزيتون والليمون، ونخيلها