الهادئ الساكن، فيأخذه هذا المنظر الجذاب، ويرجع بذاكرته إلى تلك المواقف البهيجة التي أكثر عمر الخيام من وصفها في رباعياته.
وطبيعي أن الحرارة تكون شديدة في منازل القرية، لأن الشمس شديدة التأثير بينما التهوية تكاد تكون معدومة.
وفي وسط القرية في مكان متسع قليلاً بين هذه المنازل المرتفعة المظلمة توجد بئر منحوتة في الصخور بها ماء عذب، لأن في أسفل الصخر عين ماء تتغذى تلك البئر، وأيضاً تغذى بئرين صغيرتين مجاورتين للبئر السالفة. عند قاعدة هذا الجبل بنى الأهالي منازلهم الحديثة بعد أن تركوا تلك القرية التي كانت مزدحمة بهم وهم الآن آمنون من الهجوم، بل إن هذه الفكرة لا تتطرق إلى مخيلتهم، فالحكومة مسيطرة على الصحراء بإعرابها وقبائلها جميعاً، وقد فضل كثير من السكان أن يبنوا منازلهم وسط حدائقهم وحقولهم في ناحيتي السبوخا والمنشية، وللأغنياء منهم منازل للشتاء حيث يرجون الدفء وسط القرية، ومنازل للصيف وسط الحدائق المتسعة يقضون فيها فصل الصيف حينما تشتد حرارة الشمس وتصبح غير محتملة، وتمتاز منازل المشايخ والأغنياء بطلاء جزء منها بالجير الأبيض من الخارج، ولذا فانهم يغضبون إذا حاول أحد الفقراء أن يطلي منزله بالجير تشبهاً بهم، بل إن معظم الفقراء لا يفكرون في ذلك تلافياً لغضب مشايخهم عليهم، وبهذه المناسبة فان كل الأضرحة للأتقياء منهم تمتاز بطلائها بالجير إكباراً لشأنها وشأن أصحابها. وهذا الدهان يكون عادة من تبرعات يدفعها السكان تبركاً بصاحب الضريح.
توجد بسيوة ثلاثة أسواق كبيرة لبيع البلح والزيتون تسمى بالمساطيح، والمسطاح مكان متسع تكتنفه حائط يبلغ ارتفاعها مترين، وهذه الحوائط تخالف في بنائها حوائط المنازل، إذ أنهم رغبة منهم في توفير العمل صنعوها من جريد النخيل، ثم أحاطوا الجريد من الوجهين بقطع من الملح والطين، فإذا جف الطين تماسك بسعف الجريد وهي في الحقيقة فكرة قديمة للخرسانة المسلحة ورغبة منهم في الإقلال من سمك الحائط، وضعوا الجريد رأسياً وهو يعادل أسياخ الصلب في الخرسانة. وأحد هذه المساطيح للسكان الغربيين من الواحة، والثاني للسكان الشرقيين، والثالث هو أكبرهم وأعمهم لجميع سكان الواحة. ويقطن رجل سوداني أو كفري (نسبة إلى واحة الكفرة) منزلاً صغيراً عند مدخل المسطاح ليحرس