عميقاً ولكني بأسارير وجهه تصرخ وتصيح فقير. . . فقير كلمة كم تحمل حروفها من ويلات وكم تضم تحتها من شقاء وكم يتعذب بها من بشر وهل هو وحده ممن عضهم هذا الوحش بنابه فمثله الآلاف بل الملايين من الفقراء يضنيهم الجوع ويؤلمهم العوز وتمرضهم الفاقة والفقر هذا الشبح المرعب هذا الحيوان المفترس ينشب أظفاره في أجسامهم فيمزقها ويتركها منهوكة القوى ويخلي عقولهم من العلم فيتركها خاوية خالية تعيش في جهالة القرون الماضية ويسري في دمائهم كالميكروب القاتل يميت المئات منهم دون ما رحمة أو عطف ولكن (آه من لكن هذه) ولكن هل هناك من يشعر بوجودهم وعذابهم أو يناضل ويكافح باسمهم لأجلهم؟ هل هناك من تضطرم في نفسه عواطف النبل الإنساني ليسعى في تخفيف الضنك الذي يكتنف حياتهم؟ هل هناك من يعمل باسم الإنسانية لدفع الحيف اللاحق بهم غير طامع في اسم أو جاه أو مركز أو سلطان؟. . .
هم ضحايا الطمع والجشع هم قرابين ذوي الكروش المنتفخة والخزائن الممتلئة، عم أكباش الفداء للمحتكرين والمستعمرين الذين يحترمهم العالم باسم القانون.
أثار في نفسي منظر هذا الطفل ثورة كانت مكبوتة ونيراناً كانت تتأجج كلما رأيت أمثاله من المساكين ممن أصيبوا بعاهة أقعدتهم عن العمل والكفاح أوصدت في وجوههم أبواب الرزق فالتجئوا لطريق الاستجداء راضين أو مكرهين.
قلت لنفسي ما ذنب هذا الطفل البائس وأمثاله ما جريرتهم وما الذي جنوه ليكون هذا حظهم من الحياة وأي إثم اقترفوه ليجزوا بمثل هذا الجزاء، وهذا الأعمى الصغير أي حياة حالكة سيقضيها وأي مستقبل ينتظره بل أي عذاب دائم مستمر سيلاقيه في هذا المستقبل المظلم؟ وقد أنستني تأملاتي هذه ذلك الطفل وما كان يطلب ولكنني تنبهت أخيراً على صوته وهو يردد بتلك اللغة الإنكليزية الركيكة (أنا فقير)(اعطني درهماً) فأخرجت من جيبي مبلغاً زهيداً وضعته في يده ولكني كنت في قرارة نفسي متأكداً أن هذا المبلغ الزهيد أو أي مبلغ ضئيل آخر يعطيه له أمثالي سيزيد من عذابه وألمه وسوف لا يحل مشكلته هو وأصحابه ما لم يعمل الناس جميعاً والحكومة معهم عملا جديداً لتحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي وما لم يعمل الشعب كله والحكومة معه على محاربة المستعمر حرباً عواناً لا هوادة فيها أو وهن.