الخدمات، وبذل في سبيلها أوفى نصيب من عقله وعلمه وفضله، وعاش بنجوة عن لغو القول، زهداً في مظاهر الحياة الباطلة وزخارفها الزائلة، وقد أدى رسالته على أكمل وجه.
بعد هذه التحية الخالصة الواجبة على كل مصري يزجى بها إلى هذا المصري الأبي العظيم أعود ال السؤال:
ماذا عمل هؤلاء الزعماء الثلاثة، وفي أي جو عملوا؟
وماذا عملوا المصريون، وفي أي جو يعيشون؟
ذهب أشبال مصر الثلاثة يحملون رؤوسهم على أكفهم إلى مقر ممثل أكبر دولة في العالم حينذاك، في صبيحة اليوم التالي لأكبر انتصار أحرزته في تاريخها الطويل، كانت الجيوش البريطانية في سكرة الانتصار، وفرحة السلامة تملأ القاهرة والاسكندرية، وكل مكان في أرض مصر، وفي الشوارع والميادين ودور السينما والملاهي والاندية والحدائق والطرقات، وكانت الاحكام العرفية البريطانية رافعة سيوفها على أعناق المصريين بغير حساب ولا رقيب، والسجون والمعاقل متعددة مفتوحة الأبواب، للمغضوب عليهم والمشكوك فيهم من غير سؤال ولا جواب.
وكانت الحماية البريطانية مبسوطة على البلاد رغم انفها، وبغير اكتراث لشعور أبنائها، وليس أمام المصريين إلا الخنوع والاستكانة أو الموت والتعذيب في هذا الجو الخانق، والصاعق، الساحق، ذهب اشبال مصر الثلاثة في شجاعة الحق وعزم البطولة، وفي صراحة المؤمن وحزم الرجولة، وطالبوا بجلاء الجيوش البريطانية عن أرض الموطن، حتى تتمتع مصر باستقلالها التام.
حركة طائشة خيالية جنونية، في نظر الأقوياء المستعمرين المنتصرين المزهوين، وحركة وطنية جريئة طبيعية في نظر المصريين، وجميع المنصفين.
فأي النظرتين كانت أصح وأصدق؟ ولأي فريق كتب التوفيق؟ لست الآن بصدد تفصيل ما وقع. حسبي أن أذكر أن الإنجليز نكلوا بالحركة الوطنية ونكلت الحركة الوطنية بالإنجليز. فكان صدام وصراع. وكان سجن واعتقال ونفي وتشريد وتقبيل وتعذيب وآلام. وكان ثبات واحتمال وصبر ومثابرة ومقاومة وأقدام. وتضحيات جسام. وإذا بهدنة تتخللها محادثات ومفاوضات وإذا بالحماية البريطانية تعترف بأنها علاقة غير مرضية. ثم إذا هي ملغاة بعد