وكانت الصحافة والمجلات، والنشرات الظاهرة والنشرات الخفية تصدر كلها عن وحي واحد، وليس فيها إلا نداء واحد، وتوجيه واحد ودعوة واحدة. ولم يكن في كل ما ينشر ويقرأ إلا ما يزيد لهيب الشعور الوطني. إلا ما فيه غذاء لأرواح المصريين.
بهذا شحذت الهمم في مضاء، وبذلت الجهود، في سخاء وأطرد العمل في اتحاد وانسجام، وازدادت حماسة الناس بذكريات الماضي واستوحوا قوتهم من رجاء المستقبل.
ذلك كان جو يوم ١٣ نوفمبر والأيام والشهور والسنوات التي تلته هي المعجزة التي أتتها مصر فكانت عبرة العبر: اتحاد في الزعامة والرياسة والقيادة، وتوحيد في المشاعر والصفوف. لقد جربت مصر الاتحاد وشهدت خيراته وآثاره وجنت أطيب ثماره.
وجربت تفرق الكلمة وشهدت ويلاته ومضاره وأخطاره نالت مصر بفضل الاتحاد الكامل الشامل كل ما أحرزته من فوز. وكل ما نالته من خير حتى اليوم. ولم تنل من الفرقة والحزبية الجامحة الكالحة غير بعثرة الجهود والخيبة والفشل والآلام والأحزان.
لقد وقعت معجزة ذلك الاتحاد الرائع في ١٣ نوفمبر سنة ١٩١٨ على غير انتظار من الأصدقاء والأعداء على السواء.
أفلا تتكرر المعجزة في ١٣ نوفمبر سنة ١٩٤٧. والأصدقاء يرجونها وينتظرونها ويتحرقون عليها ويعملون لها. والأعداء يخشونها ويحاربونها ويفزعون ويتطيرون منها ويعملون ضدها. أمعجزة أن يتم اتحاد؟ والاتحاد واقع فعلاً على الأهداف القومية، ووسائل تحقيقها، وآية ذلك أن الأحزاب والهيئات جميعاً على اتفاق تام على هذه وتلك إذا أبعدنا التشويه وسوء التأويل.
أليس المانع الوحيد بعد ذلك من عدم اتحاد الرجال هو طغيان الأهواء والحقاد من ثمرات الألفة التي تفرقت والوحدة التي تشتت. والعلاقات التي تمزقت وعكس الأوضاع بتقديم المصلحة الفردية على المصلحة الحزبية. ورفع المصلحة الحزبية فوق رأس المصلحة القومية.
أوضاع معكوسة. وخطط منكوسة مركوسة ليست فيها ذرة من الخير على الإطلاق ولو استجابوا إلى صوت الضمير والمصلحة العليا للبلاد وحدهما دون سواهما لا نقشعت السحب. وزالت الحمى ولعادت الحال كما كانت في ذلك اليوم المشهود - عيد الجهاد