للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحياة، وهي قوة المال، وتضمن ايضاً ناساً من هؤلاء الخونة وهؤلاء الاجانب يقولون للبلد الفقير الجاهل البائس الذي سلب قوة المال: لم لا تفعل أنت مثل الذي نفعل؟ وهم يعلمون أنه غير مطيق أن يفعل، لأن قيادة أخطبوط القوة المالية في ايديهم هم لا في يد الشعب المسكين. وليس في الدنيا شيء هو أوضح من هذه السياسة اللئيمة، فإن نكون أقوى دولة على شاطئ البحرين الأبيض والأحمر، وأعظم دولة في افريقية، وذلك في عهد محمد علي، وأدخلت من ضروب الإصلاح والتدبير في مجتمعها وفي سياستها وفي صناعتها وزراعتها، ما لا غناء في ترديده الآن، فأبت بريطانيا أن ترى دولة قوية تنازعها سيادة الشرق الأوسط كله، فألبت عليها الدول حتى حطمت اسطولها في نفارين، ثم تخونها من أطرافها حتى انكمشت في أضيق وقعة، ثم انتهت إلى احتلال مصر والسودان مرة واحدة في سنة ١٨٨٢. ومنذ ذلك اليوم وبريطانيا تدعى أنها جاءت لإصلاح أمرنا، فإذا هذا الإصلاح قاصر على أن تطلق يد الخونة والأجانب في مال مصر وثرواتها، وأن تحرم الشعب المصري من كل خير، وتضطهده وتقاتله بأخبث الأسلحة، ثم تتركه جائعاً عارياً جاهلاً لا يطيق أن يدفع عن نفسه. فأي خير جنيناه من هذه العلاقات التجارية بيننا وبين بريطانيا إلا الذل القاتل والإذلال المهين؟

وما الذي فعلته بريطانيا منذ سنة ١٨٨٢ لهذا اليوم؟ إنها لم تأل جهداً في فتح باب الهجرة للأفاقين واللصوص والمجرمين من كل جنس وملة، وأطلقتهم على هذا البلد الأمين يعيشون في أرجائه فساداً، وحمتهم بامتيازاتها وامتيازات الدول، ويسرت لهم أن يعيشوا عيشة البذخ والرفاهية إلى يوم الناس هذا. وقد ذكر السير ستافورد أن مصر كانت في زمن هذه الحرب الأخيرة (تستمتع برخاء غير طبيعي في عدة وجوه، على حين كانت بريطانيا على النقيض تماماً، فقد كانت مجبرة على الإنفاق عن سعة في الخارج خلال فترة الحرب، لحماية نفسها وحماية الديمقراطية في العالم)، وهو يعلم أحسن العلم إن هذا الرخاء لم تعرفه مصر ولا المصريون، ولا السودان ولا السودانيون، بل عرفته الجاليات من الأجانب الذين عاشوا في مصر أو الذين وفدوا على مصر. وهو يعلم أحسن العلم أن الذين تسميهم بعض الصحف تندراً بأغنياء الحرب، وترمز اليهم برجل مصري يلبس لباساً محدثاً عليه، ليسوا سوى فئة قليلة إذا قيست بالآلاف المؤلفة من الأجانب الذين عقدوا الأموال وجمعوها وصاروا شيئاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>