بعد أن لم يكونوا إلا حضيضاً موطؤاً، وأنا أعرف مئات من هؤلاء الأجانب كانوا يعيشون قبل الحرب عيشة الكفاف بل عيشة الصعاليك، فإذا كلهم قد أصبحوا من الثروة والعزة بحيث إذا رأيت أحدهم ظننت أنه قوة إلهية تمشي على الأرض المصرية لتستذل هذا الشعب وحده. وبقى الشعب المصري أسوأ حالا مما كان فيما قبل سنة ١٨٨٢، فما الذي فعلته بريطانيا؟ وما دعواها في إصلاح هذه البلاد؟.
وهذا كله بين لكل مصري، وهو أشد بياناً ووضوحاً في عيني السير ستافورد كريبس، ومغالطته في الحقائق التي يعلمها لا هدف لها إلا أن تدل على أنه سياسي بريطاني حقاً؟!.
ثم ما هذه الروابط الثقافية التي يرجو أو يزعم أو يحقق السير ستافورد أنها كفيلة بأن تغطى هذا النزاع بين الدولتين: بين الدولة المتغطرسة المستبدة التي تحتل بلادنا، وبين الشعب المسكين الذي ظل خمساً وستين سنة يجاهد في نيل استقلاله والتمتع بحرية الدولة المستقلة؟ لقد أغناها السير ستافورد عن طلب الدليل بأن ذكر عدد الطلاب الذين أكرمت بريطانيا وفادتهم في هذه السنة ففتحت لهم أبواب جامعاتها. ولسنا ندري كيف يرجو السير ستافورد أن يكون هؤلاء الطلبة الذين درسوا في بريطانيا عاملاً في حل النزاع السياسي بين مصر وبريطانيا؟ ولكنا نعلم يقيناً أنه ما من شاب نعرفه ذهب إلى بريطانيا وعاد إلى مصر وهو مصري القلب واللسان، إلا وهو نعرفه منهم عاد إلى مصر وهو يبرأ منها بلسانه وقلبه وجوارحه إلا كفلته بريطانيا ومهدت له حتى يتبوأ المنزلة التي تنبغي لمثله. ونحن لا نحب أن نسمى أحداً بأسمه، ولكني أعرف أن آلافاً غيري يعرفون أحسن مما أعرف، وعندهم من خبر ذلك أوثق مما عندي. أفهذا هو التعاون الثقافي الذي رمى إليه السير ستافورد؟
لا ريب في أن هذا هو التعاون الثقافي الذي يعنيه، وهو لا يلقى بالا كثيراً إلى شيء غيره من ضروب التعاون الثقافي لنشر العلم والمعرفة. بل إن بريطانيا نفسها لم تعن أحداً يجهل ما كان من أمر البريطانيين يوم دخلوا مصر فمزقوا مدارسها، وعملوا عمل الحريص على نزاع كل شيء يفضى إلى تعليم الشعب المصري من يد المصريين، وأصروا على أن يأتوا بداهية من دهاتهم هو دنلوب، ليضع برامج التعليم المصري. فكانت العاقبة أننا بقينا إلى هذا اليوم نرتطم في الأوحال التي قذفنا بها دنلوب، ونعي عن إصلاح التعليم بعد الذي