إن جميع ما يكتبه الأديب البارع الأستاذ الطنطاوي مما يحرص الأديب الناقد على تلاوته، لعلمه بأنه لا يكتب إلا طريفاً ممتعاً ولا يكون إلا محسناً مبدعاً، ومن تلك الأبحاث المفيدة التي ينشرها في مجلة الرسالة مجلة العلم والأدب والإسلام والعرب مقالته (من شوارد الشواهد)، التي علق عليها في الحاشية بقوله: (فأرجو ممن وقف على نص فيه تصحيح نسبة بيت مما ذكرت أن يرشد إليه فقد يعزى البيت إلى غير رواية، أو ينحل غير بانيه).
والطنطاوي عهدناه من المحافظين في الآداب على الأنساب، وهو ممن لا يرد رجاؤه، وقد وجد الشاهد (٢٤) معزوا إلى إبراهيم الصولي وهو:
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن
وهذا البيت المعدود من شوارد الشواهد، لأبي تمام من قصيدة يمدح بها أبا الحسن علي بن مرة، وأرسلها إليه من سامراء إلى دمشق مع أخيه سهم؛ ويروي هذا البيت في غير الديوان (إذا ما أيسروا)، ويروى مؤلفو كتاب البيان والبديع أن إبراهيم الصولي قد ضمنه أبياتاً منها قوله قبل هذا البيت:
أولى البرية طراً أن تواسيه ... عند السرور الذي واساك في الحزن
وليس هذا البيت للصولي بل هو لأبي تمام، وهو في ديوانه قبل الشاهد، وتختلف عنه رواية الديوان قليلاً، فهو فيه:
أولى البرية حقاً أن تراعيه ... عند السرور الذي آساك في الحزن
وقبل هذا البيت في الديوان:
لي حرمة بك فاحفظها وجاز بها ... يا حافظ العهد والعواد بالمنن
وللصاحب بن عباد تضمين حقيقي لهذا الشاهد بقوله:
أشكو إليك زمانا ظل يعركني ... عرك الأديم، ومن يعدو على الزمن
وصاحباً كنت مغبوطاً بصحبته ... دهراً فغادرني فرداً بلا سكن
وباع صفو وداد كنت أقصره ... عليه مجتهداً في السر والعلن
كأنه كان مطوياً على أحسن ... ولم يكن في قديم الدهر أنشدني:
(إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن)
(دمشق)