أحوالها؛ فلو لم يكن في كل دينار قوة جديدة غير التي في مثله لما سر بالمال أحد، ولا كان له الخطر الذي هو له؛ ولو لم يكن لكل طعام جوع يورده جديداً على المعدة لما هنأ ولا مرأ؛ ولو لم يكن الليل بعد نهار، والنهار بعد ليل، والفصول كلها نقيضاً على نقيضه، وشيئاً مختلفاً على شيء مختلف - لما كان في السماء والأرض جمال، ولا منظر جمال، ولا إحساس بهما؛ والطبيعة التي لا تفلح في جعلك معها طفلاً تكون جديداً على نفسك - لن تفلح في جعلك مسروراً بها، لتكون هي جديدة عليك.
وعرش الورد كان جديداً عند نفسي على نفسي، وفي عاطفتي على عاطفتي، ومن أيامي على أيامي؛ نزل صباح يومه في قلبي بروح الشمس، وجاء مساء ليلته لقلبي بروح القمر؛ وكنت عنده كالسماء أتلألأ بأفكار كما تتلألأ بنجومها؛ وقد جعلني أمتد بسروري في هذه الطبيعة كلها، إذ قدرت على أن أعيش يوماً في نفسي؛ ورأيت وأنا في نفسي أن الفرح هو سر الطبيعة كلها، وأن كل ما خلق الله جمال في جمال، فأنه تعالى نور السموات والأرض، وما يجيء الظلام مع نوره، ولا يجيء الشر مع أفراح الطبيعة إلا من محاولة الفكر الإنساني خلق أوهامه في الحياة، وإخراجه النفس من طبائعها، حتى أصبح الإنسان كأنما يعيش بنفس يحاول أن يصنعها صناعة، فلا يصنع إلا أن يزيغ بالنفس التي فطرها الله.
يا عجباً! ينفر الإنسان من كلمات الاستعباد، والضعة، والذلة، والبؤس، والهم، وأمثالها، وينكرها ويردها، وهو مع ذلك لا يبحث لنفسه في الحياة إلا عن معانيها.
إن يوماً كيوم عرش الورد لا يكون من أربع وعشرين ساعة، بل من أربعة وعشرين فرحاً، لأنه من الأيام التي تجعل الوقت يتقدم في القلب لا في الزمن، ويكون بالعواطف لا بالساعات، ويتواتر على النفس بجديدها لا بقديمها.
كان الشباب في موكب نصره، وكانت الحياة في ساعة صلح مع القلوب، حتى اللغة نفسها لم تكن تلقي كلماتها إلا ممتلئة بالطرب والضحك والسعادة، آتية من هذه المعاني دون غيرها، مصورة على الوجوه إحساسها ونوازعها؛ وكل ذلك سحر عرش الورد؛ تلك الحديقة الساحرة المسحورة التي كانت النسمات تأتي من الجو ترفرف حولها متحيرة كأنما تتساءل: أهذه حديقة خلقت بطيور إنسانية؛ أم هي شجرة ورد هبطت من الجنة بمن يتفيأن ظلها ويتنسمن شذاها من الحور؛ أم ذاك منبع وردي عطري نوراني لحياة هذه الملكة