للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الهجوم على الحكومات.

وليست صراحة الرجل في الرأي مسألة فكر وحسب، أو مسألة كلام وكفى. لأن هذه الحرية تكلفه كثيراً من المال، وتجشمه كثيراً من العناء، وهو غني بما ورثه من أمه وبعض أقربائه، فلا يبخل بمال ينفقه على اللاجئين إلى باريس من المضطهدين في بلادهم، سواء كانوا من الألمان أو النمسويين أو الأسبان أو البلجيك، وبعضهم بكل ما استطاع من المعونة فوق معونة المال.

أما قيمة (جيد) الأدبية، فهي في بعض نواحيها مما تتفق عليه آراء النقاد، على صعوبة الاتفاق في هذه الآراء.

فناقدوه والمعجبون به متفقون على جمال أسلوبه، يقول بعض ناقديه قبل المعجبين به: أن مجرد المطالعة في جمل من عباراته ورسائله متعة فنية، تكفي وحدها للعودة إليه.

وليست لجيد براعة كبراعة (أناتول فرانس) في لباقة التعبير وسهولة الفكاهة. ولكنه يوازنه بما هو أفضل منه فيه، وهو جد الرأي وحماسة الروح.

وليست له قدرة بروست في الوصف والتحليل، ولكنه يعوض هذا الضعف بقدرته في الحوار والحركة، فيصل بك من طريقهما إلى المقصد الذي يتوخاه الكاتب بالوصف والتحليل.

وقد علق بالرمزية واللهجة الغنائية في أوائل حياته، ثم جنح إلى البساطة والوضوح فاتخذ له أسلوباً يلائمه، وينتقل بفحواه إلى اللغة التي يترجم إليها، وتقرأه مترجماً فلا تفوتك معالمه الشخصية من وراء الألفاظ والعبارات.

وقد ورث سليقة المعرفة من بيئته التي نشأ فيها، لأن أباه جان بول جيد هو علامة الاقتصاد المشهور، وعمه شارل كان أستاذاً من أساتذة (كوليج دي فرانس) الممتازين، وأسرته كلها من بيئة المثقفين والمطلعين، ولكنه مع هذا يحسب من ذوي السلائق والأذواق، ولا يحسب من ذوي الأذهان والأفكار، ونفوره من المدرسة الذهنية عرض من أعراض هذا الاستعداد.

ولا تقل ملكة النقد عند هذا الأديب عن ملكة الإنشاء والابتكار. فإن آراءه في دستيفسكي الروسي، وفي وتيمان الأمريكي، وفي مونتاني الفرنسي، وفي الآداب الإنجليزية والألمانية

<<  <  ج:
ص:  >  >>