- أشد مما يكتبه زنوج (الكونغو) لو دافعوا عن أنفسهم في وجود سادتهم البيض.
وقد كان يحسب أن السادة البيض رسل حضارة إنسانية إلى القارة السوداء. فخاب حسبانه وعاد وهو يائس من هذه الرسالة المزعومة، ومن حاجة العالم الإنساني إليها، وشنها غارة شعواء لم تصمد لها الدول المستعمرة، ولم يسعها أن تدفعها بالتكذيب والمداورة، وأسفرت آخر الأمر عن (لجنة التحقيق) المشهورة التي أوشكت أن تؤيد كل ما قال.
وقيل يومئذ أن (جيد) قد انقلب إلى أحزاب الشمال، وقد انقلب فعلاً إلى أحزاب الشمال، وكفر بمذاهب المجتمع القائم جميعاً وهو يظن أن الأمل كله منعقد بنجاح الاشتراكية، بل الشيوعية، كما يبشر بها الماركسيون.
ولكن الشيوعية تأسست بعد ذلك في البلاد الروسية، ودعى (جيد) مع من دعتهم حكومة السوفييت إلى شهود آثارها في تلك البلاد، وعدتهم لا تقل عن مائة وخمسين من الأنصار والمعجبين. فخاب أمله، وتهدم يقينه، ولم يكتم ما خامره من الأسف والحسرة على ذلك الأمل الخائب واليقين المهدوم، وكتب رسالته الأولى عن هذه الرحلة ثم قفاها برسالة أخرى، يرد بها على ناقديه وثالبيه، ويؤيد ما قال في هذه المرة بالرقم والدليل.
على أن هذه الصراحة الجريئة كلها لا تبلغ من العجب مبلغ صراحته في المسألة الجنسية كما يعرض لها في بعض تمثيلياته وبعض أقاصيصه واعترافاته.
فهو يعلن في غير مواربة أن (الشذوذ الجنسي) طبيعة في بعض الناس كطبيعة الذكورة والأنوثة، وأن الحكم عليه حكم على بنية خاصة ومزاج خاص، ولا يصح أن نجعله حكماً على رذيلة أو معابة من معائب الأخلاق.
وتصدى له (هنري ماسي) من الحزب الكاثوليكي الوطني، فاغتنم هذه الفرصة لمهاجمة علم من أعلام البروتستانت الفرنسيين، - لأن (جيد) من أسرة بروتستانتية عريقة - وأنحى عليه بالتشهير والتجريس، ورماه بالحطة وإفساد الآداب. فكان جواب (جيد) عليه كتاب كوريدون الذي يقول فيه ما لم يقله من قبل، في شرح (الشذوذ الجنسي) ونفى أضراره من وجهة الصحة ووجهة الأخلاق، ووجهة المصالح الاجتماعية، فبلغ في صراحته هذه - كما أسلفنا - مبلغاً لا تقرن به صراحته في الهجوم على المذاهب أو