المرتجفة، ونور المصباح القوي في وجهه يجعل من ذلك كله صورة ترى ولا ينهص لوصفها كلام؛ وجاء غلام فانقض على التمثال كالفرخ الجائع وأخرج في مثل خطرة الطرف ما في جيبه من مليمات وقروش وولي لا يلوي على شيء وانتفض، التمثال انتفاضة حسبت أن قد تحرك لها رخام السلم، وأقبل بعض من شهدوا هذا السطو فألقوا إليه من قروشهم ما أذهب روعه. .
ومشيت موجع القلب ثقيل الخطى فلم أكد أنعطف عند زاوية أخرى حتى إذا بي تلقاء رجل يزحف على إسته ويديه وقد ثنى إحدى رجليه أما الرجل الأخرى فلم يبقى منها إلا جزء من الفخذ قد كشف عنه لأنه موضع (الإعلان) وبرهان العجز عن العمل، ومر الناس به لا يتألم أحد فيما أرى لأنهم ألفوا أن يردوا مثل هذا كما ألفت أنا ولكني تألمت وتألمت وأرجو منك أيها القارئ أن تصدقني أنني تألمت كما أتشفع عندك بكل عزيز لديك أن تتألم مثلي. . .
فإن لم يكن آلمك هذا فدونك شيء آخر وقعت عليه عند زاوية أخرى، دونك شيء ولا أقول رجلاً، فليس ثمة إلا الجذع فقط لا يدان ولا رجلان، ومع ذلك فهذا الشيء يزحف ويقطع الطوار كله زاحفاً. . . يا إله العالمين إني استغيثك! إن لم تكن الملاجئ لمثل هذا فلمن تكون؟ وفي أي شرع يكون على هذا أن يعمل - أستغفر الله - بل أن يزحف ليكسب قوته وحوله السيارات الفخمة تنهب الأرض باللاعبين بالذهب!
ومشيت باكي القلب بطيء الخطى حتى كنت أمام (جروبي) فإذا بنتان من بنات الشارع تتشاجران في عنف على أعين الناس، وقد ألقتا ما معهما من ورق اليانصيب، وأنشبت كل منهما أظفارها في عنق الأخرى، وذلك لأن إحداهما قطعت الطريق على صاحبتها فباعت دونها ورقة!
ونظرت فإذا معركة أخرى أشد عنفاً تدور غير بعيد بين فتاتين ناهدتين من خدم المنازل، وقد شدت كل منهما شعر الأخرى وأهوت عليها بحذائها، وذلك لأن إحداهما، كما علمت، غلبت الأخرى على عيشها فأخرجتها من عملها واستمتعت بالأجرة دونها؛ وتقاطر السابلة يشهدون هذه المعركة الكبر، وقال أجنبي من المارة لصاحبه وهو يضحك: أنظر. . . فهذا نذير الحرب العالمية الثالثة. . .