في الصلح والتفاهم معه على الشروط التي يريدها، فما علم الملك بمقدمه لهذه الغابة حتى رحب به أجمل ترحيب وأحاطه بالحفاوة والإكرام، ووكل إلى وزيره أمر المفاوضة مع الوزير العربي وكان أن أملى القوي شروطه على الضعيف. ثم عاد أبو القاسم يحمل إلى قومه معاهدة كثيرة البنود طويلة الشروح والتفاصيل، تنص في أول بنودها على تسليم غرناطة وإطلاق الأسرى الأسبان المتعلقين فيها، وأن يقسم الملك أبو عبد الله ورجال دولته يمين الطاعة والإخلاص للملك فرننادو، وأن يقطع له بعض الأراضي ليقضي فيها بقية حياته، وأن يأمن المسلمون على أموالهم وعباداتهم وعاداتهم، وألا يؤخذ منهم من الأموال والضرائب إلا ما كانوا يدفعونه لملوكهم، وإمهال الملك أبي عبد الله للتفكير في قبول هذه الشروط ستين يوماً تبتدئ من تأريخ تحرير هذه المعاهدة في الخامس من نوفمبر سنة ١٤٩١م الموافق الثاني والعشرين من المحرم سنة ٨٩٧هـ.
رجع الوزير أبو القاسم يحمل هذه المعاهدة إلى قومه، فدعا الملك أبو عبد الله الوزراء والرؤساء والفقهاء وأهل الرأي ليشاورهم فيها، فلما وقفوا على مضمونها غامت الدنيا في وجوههم وأجهشوا بالبكاء، ورأوا أنه لا حيلة لهم إلا التسليم والإذعان، إلا القائد موسى أبن أبي الخازن فأنه صاح فيهم قائلاً: (وآسفاه، أنتم تبكون أيها الرجال، إذاً فالويل للنساء والأطفال، لقد حذرتكم فما سمعتم. وأنذرتكم فما أصغتم، وأنكم لتسمعون من الملك فرننادو كلمة القوي للضعيف، وهي كلمة لا يتبدل مدلولها في إرادة الأقوياء، ولا يتغير أثرها في إذعان الضعفاء، وهاأنتم أولاء أيها السادة ترون أنفسكم وقد أصبحتم بهذا الإذعان أرقاء إذلال، ففي الغد تبصرون الغاصبين يدخلون بيوتكم، ويستبيحون حرماتكم، ويعطلون شعائركم، ويتخطفون أقواتكم، ويتحكمون في رقابكم فلما ترهبون الموت والموت أهون مما سيصيبكم، وأشرف مما سيحل بكم، أن من الشرف أن نواجه الموت اختياراً قبل أن نرغم عليه إرغاماً، وأن من الكرامة أن ندافع العدو حتى آخر قطرة من دمائنا وحتى نبيد عن أخرنا. . .
إذا ما أفعم اليأس النفوس صمت الآذان وماتت العزائم وهكذا ضاع كلام القائد موسى هباء فلم يحرك من القوم ساكناً، فأذعنوا لما فرضه عليهم الملك فرننادو من الشروط، ووافقهم الملك أبو عبد الله على ذلك إيثاراً للسلامة في ملك طرد منه بعد قليل شر طردة. . أما