وقد عرف ملوك الهند حصانة هذه البقعة بمكانها من هذا النهر فاتخذوا مدينة أكرا حاضرة للملك أو إحدى حواضره.
وقد أتخذها السلطان أسكندر اللودي داراً للملك بدل دهلي وهو من الأسرة اللودية التي تسلطت في الهند من سنة ٨٥٥ إلى ٩٣٢هـ. وإنما آثرها على دهلي حينما عرف غناءها في ضبط الثائرين عليه في الجنوب. فعظمت مكانتها من ذلك الحين.
ولما جاء إلى الهند الرجل العبقري بابر، وقد أسلفنا ذكره، فتح أكرا سنة ٩٣٢. وأخذ فيما أخذ من مغانمها الماسة المعروفة باسم كوهِ نور أي جبل النور. وفي أكرا آذن بابر بأن فتحه الهند ليس غارة موقوتة ولكن ملكاً مؤثلاً، ولما ملك جلال الدين أكبر حفيد بابر بني قلعة أكرا، القلعة الحمراء التي تمتد أسوارها على نهر جمنه ميلاً ونصفاً.
وازدادت المدينة وأرباضها منذ بنى أكبر قلعته، بعجائب من أبنية السلاطين التيموريين بل بمفاخر من الحضارة الإسلامية وصناعاتها. ففي أكرا القلعة والتاج والمسجد، وفي سكندرة مزار أكبر وآثار أخرى. وعلى مقربة من المدينة فتح بور سكري وهي مزدحمة بآثار عظيمة رائعة.
مزار أكبر
خرجنا والساعة خمس مساء إلى سكندرة لنزور ضريح جلال الدين أكبر.
ولا يعرف روعة التوجه إلى زيارة ضريح أكبر إلا من عرف تأريخ هذا الرجل الذي لا يعرف تأريخ الإسلام بل تأريخ العالم من الملوك أمثاله إلا قليلاً.
ذكرت آنفاً ظهير الدين بابر مقيم الدولة التيمورية أعظم الدول الإسلامية في الهند. وكذلك ذكرت ابنه همايون.
وجلال الدين أكبر الذي أتوجه لزيارته الآن هو أبن همايون وحفيد بابر. وضع هذان له القواعد ليشيد ملكاً عظيماً، ويوطد دولة ينبسط سلطانها على الهند إلا قليلاً، ويترك على الزمان سيرة في الفتح والعدل والحضارة والعمارة لا تزال مثار إعجاب وتعجب. ولا تزال مفخرة من مفاخر التأريخ الإسلامي.
توفي همايون بعد أن استرد ملكه في الهند، وابنه جلال الدين في الرابعة عشر من عمره. فدبر له الملك بايرام خان فدفع عنه الطامعين، واخضع الثائرين، ولم تأخذ في إقرار