للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

السكينة، والنظام هوادة ولا شفقة. فلما سكنت الفتن واستوسق الأمر تولى جلال الدين تدبير الملك ولما يعد الثامنة عشرة. وقد حاول هذا الوصي أن يقتطع له إمارة في أرجاء المملكة وثار على أكبر إلى أن اضطر إلى التسليم له. فاحسن الملك الشاب إلى وصيه وخيره بين أن يتولى منصباً عالياً في الجيش أو يسير إلى الحج مرفهاً في موكب عظيم. فاختار الحج.

وكان عفو أكبر عن بايرام خان وإحسانه إليه إيذاناً بسيرة صالحة رفيقة؟؟، سارها أكبر طول عمره.

ثبت جلال الدين أكبر سلطانه في أرجاء المملكة كلها. ومد فتوحه لم يبق من الهند خارجاً عن سلطانه إلا قليل. ودان معظم الهند له واستقامت الأمور لحكمته وحكمة زمان سلطانه المديد وقد ملك أكثر من خمسين عاماً.

وكان مولعاً بالفتوح البعيدة، واجتياز الفيافي الموحشة، وركوب الخيل الجموحة، واخترع نظماً للجيش وأسلحة. وكان مثالاً عالياً في القيادة الجيوش، وركوب الأهوال. ولكن هذه الشجاعة والجرأة والفتح والسفر لم تكن إلا أقل مزاياه. فقد كان في السلم والعمران أعظم منه في الحرب.

سن من القوانين، وخط من الخطط في مسح الأرض وريها وجباية الخراج ما يشهد بسعة فكره، وبعد إدراكه، وقد بقيت بعض سننه متبعة في الهند إلى هذا العصر.

وجمع هذا الرجل الأمي حوله من أدباء العالم وشعرائه وكتابه وعلمائه وفلاسفته جمعاً كبيراً حتى كان في كنفه من شعراء الفارسية زهاء خمسين شاعراً.

وقد جاءه الصناع من أرجاء العالم من آسيا وأوربا.

وأنشأ المدارس في أنحاء المملكة ليعلم فيها المسلمين وغيرهم على السواء. وبنى خزائن الكتب وجمع فيها نفائس الكتب من الأقطار وافتن في صناعة التجليد والتذهيب حتى أنفقت على بعض الكتب آلاف الدنانير، وقد أبطل العادات الوحشية في الهند مثل إحراق الزوجات بعد موت أزواجهن.

وحاول أن يشيع المحبة والمودة والأخوة بين الناس بجمعهم على دين واحد. فألف من الإسلام والمجوسية والنصرانية وأديان أخرى ديناً سماه (التوحيد الإلهي) وبنى معبداً لهذا الدين ودعا الناس إليه فأتبعه قليل بالرغبة والرهبة. فلما مات لم يبق على دينه أحد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>