سرنا إلى سكندرة حيث ضريح هذا الملك العجيب، وفي النفس ثورة من ذكرياته بين سفره وحضره، وحربه وسلمه، وصوابه وخطئه، إلى قياس يتردد بين الماضي والحاضر، للنفس في حيرة وحسرة.
على نحو خمسة أميال من أكرا استقبلنا هذا البناء الهائل الرائع الذي تعاون على إنشائه الملك والثراء والصناعة بضعة عشر عاماً بين عهد أكبر وعهد أبنه جهانكير. هذا المدخل الفضي إلى الحديقة الغناء الفسيحة التي تحيط بالمزار. ولو أن هذا المدخل وحده شيد فوق ضريح ملك عظيم لكافأ عظمته وحسب بناء فخماً من أبنية الملوك العظيمة. بناء يعلو أربعاً وسبعين قدماً تقوم في أركانه الأربعة أربع منارات رفيعة تعلو كل واحدة فوق هذا البناء ستاً وثمانين قدماً. ويلقى هذا المدخل القادم إليه بعقد عال فخم فيه باب فوقه عقد يشابهه. وعلى جانبي العقد الكبير وجهتان في كل منهما عقدان (كما يرى في الصورة):
ويفضي هذا المدخل إلى حديقة واسعة تزدحم فيها الخضرة والنضرة ويتوسطها طريق واسع مبلط فيه أحواض ومجاري مياه ونافورات في هندسة جميلة.
ثم البناء الشامخ الرائع، خمس طبقات ذات عقود وأبراج، كل واحدة أكبر مما فوقها وأصغر مما تحتها كأن كل طبقة قاعدة للتي قبلها.
صعدنا الطبقة الأولى التي تلي الأرض فهبطنا في دهليز منحدر إلى قاعة في وسطها صفيحة واحدة من المرمر تحتها رفات جلال الدين أكبر شاه. وقفنا نقرأ آيات على القبر ونقرأ سطوراً غير مكتوبة من وحي التأريخ وإملاء الزمان.
ثم صعدنا إلى الطبقات الأخرى حتى الطبقة العليا وهي سطح محاط بدربزين من الرخام الأبيض أبدعت فيه الصناعة تشكيلاً وتخريماً. وفي وسطها دكة واسعة مربعة عليها مثال القبر الذي في بطن الأرض. وقد فجئني هذا المنظر العجيب فما يحسب الزائر وهو يصعد في هذه الطبقات أن يلقاه في قمتها هذا التمثال بعد أزار القبر في موضعه من جوف الأرض.
ويطلع الزائر من هذه القمة على مشاهد رائعة من الجمال والجلال على عبر متقاربة وعظات متوالية. فهو ينظر إلى هذا الهيكل العظيم تحار فيه العين بين عقوده وعمده وقبابه، تتوالى طبقاته في نظام محكم، وهندسة عجيبة. فإذا رمى ببصره في الفضاء مفكراً