مشرقاً زاهياً، والأطيار تتلو بلغة الطير سورة الحمد والشكر، فيتوضأ، ويحس في نفسه السمو والجلال - ذلك السمو الذي حالت الحضارة الغربية. . . بيننا وبينه، فقطعنا مذ لبسناها أجمل مراحل الحياة نياماً، وغفلنا عن داعي السماء، حين ينبعث في تلك الساعة هاتفاً بالنفوس المؤمنة الطاهرة: ألا من مستغفر فاغفر له؟ ألا من داع فأستجيب له؟ ألا من سائل فأعطيه؟
يتوضأ، ثم يستقبل (الحرم) وينسى كل شيء إلا (الحرم)، ثم يخشى أن يشغله الحرم عن الصلاة، والصلاة انقطاع الدنيا الفانية، واتصال بجلال الله الباقي، فيرفع يديه ويقول: الله أكبر، ويدخل في الصلاة فينسى كل شيء، إلا الله الذي يقوم بين يديه.
ويستقبله إذا زال النهار، وقامت الدنيا على قدم وساق، تدعو أبناءها وعبادها، إلى ما أعدت لهم من اللهو واللعب، فاستبقوا إليه، واقتتلوا عليه. . . معرضاً عن نداء الدنيا، مجيباً داعي الله، فيقوم بين يدي رب العالمين، مولياً وجهه شطر المسجد الحرام، تاركاً وراء ظهره الدنيا وما فيها!
ويستقبله إذا أخذت نفسه حظها من طعامها وشرابها وراحتها وقنعت من الدنيا بما نالت منها - وما الدنيا إلا ما يملأ بطناً، ويكسو جسماً، ويريح نفساً. . . يستقبله حامداً شاكراً.
(الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، (يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم) إياك نعبد وإياك نستعين (لا نعبد غيرك، ولا نخشى سواك، ولا نرجو النفع إلا منك، ولا نخاف الضر ممن دونك. أنت الضار وأنت النافع، وأنت المعطي، وأنت المانع؛ لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا يجير عليك من نبي ولا ولي، ولا يشفع عندك إلا بأذنك ملك ولا رسول)
ويستقبله إذا أطفئ المصباح الأعظم، وغطى الليل بسواده الفاحم على بهاء الدنيا وجمال الأصيل، فلا تشغله الرياض والجنان، ولا الورود والثمار، عن واد غير ذي زرع، عند بيت الله المحرم.
ويستقبله إذا عم الظلام ونام الكون، وأقبل على الفراش يسلم روحه إلى خالقها. لا يدري أتعود أم تبقى في عالم الخلود، فيكون (الحرم) آخر ما يقبل عليه ويذكره من هذه الدنيا.
فهل ينسى مسلم (الحرمين). أو هل ينساهما أستاذنا الزيات وهو الذي يذكر الناس؟!