وارتفاع مسلك، ويهمنا أن نعرض نسيبها الدامع إذ تقول في معرض الرثاء:
هو المسك بالأرى الضحاكي شبته ... بدرياقة من خمر بيسان قرقف
فيا ألفَ يوم تأتي مسَّلماً ... فألقاك مثل القسور المتطرف
وهناك من العاشقات غير ليلى من أبدعت كثيراً حين نهجت هذا النهج الجذاب، وزادت فعمدت إلى الجناس الجميل إذ تقول:
كان مثل القضيب قداً ولكن ... قده صرف دهره أي قد
أو تقول:
هو الأبيض الريان لو ضربت به ... نواح من الريان زالت هضابها
وهكذا تكون الدموع مسرحاً للتشبيب البهيج!!
ولا نختم هذا الفصل دون أن نلم بنموذج من الغزل الصوفي الذي ترنمت به المرأة فنشرت أمام العيون بروداً قشيبة، عطرة الذيول. وإذا صح ما يقولون من أن الحب الصوفي في مبدئه حب إنساني شب وترعرع حتى وصل إلى نهايته العلوية، فالمرأة أشد قابلية له من الرجل، لما نعلمه من تأثرها العميق، وإحساسها الرقيق. ويكفي أن نستشهد برابعة العدوية رضى الله عنها فهي صاحبة اللواء الخفق بين أخواتها المتصوفات، ولها من النسيب الفاتن جداول صافية تبل الصدى وتنقع الغليل كأن تقول:
أحبك حبين حب الهوى ... وحبٌّ لأنك أهلٌ لِذاكا
فأما الذي هو حب الهوَى ... فشغلي بذكركَ عمن سِواكا
وأما الذي أنتَ أهلٌ لهُ ... فكشفك لي الحجب حتى أراكا
فلا الحمدُ في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمدُ في ذا وذاكا
ورابعة كما ينطق التاريخ قد سبقت الشعراء جميعاً إلى الغزل الإلهي ففتحت بذلك الطريق لابن عربي وابن الفارض والبرعي ومن يجري معهم في ميدان التصوف الوسيع، ولا أدري كيف سكت محللو الشعر القدسي فلم يسجلوا يدها البيضاء!!
(وبعد) فهذه مرآة لامعة تجلو لنا طرائف من الغزل النسوي ونحن حين نزفها إلى القراء والقارئات نتساءل في عجب: أيوجد بين شاعراتنا الآن من لها - ولو في غير الغزل - هذه الديباجة المشرقة، والرقة المتسلسلة؟ أم أن ذلك عهد مضى ولن يعود؟!