للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اللون من الإفك، لذكرنا على سبيل ما تحمر له الوجوه؛ غير أننا نضع أمام القارئ أبياتاً لابن أبي ربيعة قد تواضع في سردها، فلم يملأها بما عهد عنه من إفك، وهي رغم ذلك من الإباحية في هوة لا ينحط إليها غزل الحرة، مهما فحش ولذع. قال أبو الخطاب:

فتناولتها فمالت كغصن ... حركته ريح عليه فمارا

ثم كانت دون اللحاف لِمشغو ... ف معّنى بها صبوب شعارا

واشتكت شدة الإزار من البه ... ر وألقت عنها لدَّي الخمارا

حبَّذا رجعها إليها يديها ... في يدي درعها تحل الإزار!

وإن شئت أن ترى للمرأة شيئاً من طراز عمر المكشوف فارجع إلى ما هجناه من غزل الجواري في صدر هذا المقال.

هذا وقد تكون الشاعرة مضطرة إلى التصريح بما يعجز عن بيانه اللفظ ويقف دونه الريق، فتأتي بالمعنى الجلي، في تركيب قوى، دون أن يصدمها المسلك الوعر، ويجبها الواقع المرير؛ فقد راود توبة بن الحمير الخفاجي صاحبته ليلى الأخيلية فشاحت عنه، وأرادت أن تفهمه موقفها النبيل، فلم تستعص عليها قافية أو تند عنها عبارة، بل أجابته في قوة أسر وبراعة نسج فهي تقول:

وذي حاجة قلنا له لا تبحْ بها ... فليس إليها ما حييت سبيلُ

لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وحليل

تخالك تهوى غيرها فكأنما ... لها في تظنيها عليك دليلُ

ولعمرى قد بلغت من السمو والروعة شأواً لم يصل إليه معن بن أوس، حين اصطدم كصخرتها العاتية فقد كان في جاهليته يغشى أم مالك خليلته، فأتت كعادتها إليه بعد إسلامه فقال من أبيات:

ولست كعهد الدار يا أم مالِك ... ولكن أحاطت بالرقاب السلاسلُ

وعاد الفتى كالكهل ليس بفاعل ... سوى الحق شيئاً فاستراح العوازل

وشتان ما بين القولين وإن اتحدت الواقعة، واتفق المراد!!

ولليلى هذه مراث جيدة في توبة وكانت تصلها بقليل من الغزل الرائق فتطرب النفوس في موقفها الحزين، وأشهد لقد دلت على أن أبناء حواء كأبناء آدم، متانة تركيب، وجلجلة لفظ

<<  <  ج:
ص:  >  >>