ففي كتاب الأستاذ علي أدهم تقرأ فصولا عن أدباء من الروس أمثال سالتيكوف وتولسبوي وترجينف وكريلوف، وفصولا أخرى عن أدباء من الطليان مثل ماتزيني وليو باردي وبابيني، وعن أناتول فرانس الفرنسي، وعن أونامونو الأسباني، وعن جيتي الألماني، وعن كارليل وويلز من كتاب الأدب الإنجليزي، وعن مترلنك البلجيكي، وعن مازاريك الشيكوسلوفاكي، وعن لافكاديو هيرن اليوناني الأيرلندي الذي سحرته روح الشرق من العرب إلى اليابان.
فالكتاب بحقٍ ألوان من أدب الغرب كله على تعدد أجناسه وموضوعاته ومناحيه، ولا يخلو فصل من فصوله من فكرة مستقلة ورأي ناضج ووزن صحيح وفهم نافذ إلى اللباب، ويتسع المجال هنا للتمثيل بالكلمات والعبارات وإن لم يتسع للتمثيل بالعبارة المسهبة أو الفصل الطويل.
فمن عبارته التي تشتمل كل عبارة منها على حكم صحيح أو مقياس صادق، قوله عن الهجاءين في عصورهم أن (أكثر الهجاءين والساخرين لا يستطيعون الخلاص من أوهاق عصرهم والارتفاع فوق مشكلاته، ولكن الساخر الموهوب قد يستطيع أن يلمح المعنى الأبدي الخالد خلال ضجة العصر ومعمعان أحداثه) ومنها عن الشعوب والآداب إذ يقول في أحاديث تولستوي: (من الشعوب شعوبٌ آداب الأرستقراطية اشد تأصلاً في نفسها مثل العرب خاصة والأوروبية السامية عامة، ومنها شعوبٌ آداب الديمقراطية أبين في أخلاقها وأعرق في طباعها مثل الشعب الروسي السلافي).
ومنها في المقابلة بين جبابرة الأدب الروسي الثلاثة دستيفسكي وتولستوي وترجنيف أن (دستيفسكي يكثر في رواياته من التحليل ويسهب فيه إسهاباً ويصف أشخاصه من الداخل، وتولستوي تتعاون فيه القوتان: قوة التحليل والوصف الداخلي والقدرة على توضيح المظهر الخارجي ورسم السمات البارزة والخصائص البادية، أما ترجنيف فمجال براعته الوصف الخارجي الدقيق، وهو يكتفي به ولا يسرف في التحليل، والذي يميز ترجنيف عن أرابه من الروائيين الروسيين هو براعته في البناء الروائي، وضبط النسب والتقاسيم، وتوزيع الظلال والأضواء، ووضوح الحبكة الروائية).
وهذه تفرقة بين الأدباء الثلاثة بالغة في الدقة والصدق والإحاطة والإنصاف.