ومن عبارته الجامعة التي هي أنسب الحقائق للزمان الذي نحن فيه:(هناك ما هو أسمى من الشعب ألا وهو الإنسانية. وإذا شئت العقل).
ومنها في وصف أدب أناتول فرانس:(قد امتاز أدبه بخير الصفات التي عرف بها الأدب الفرنسي بوجه عام، وهي دقة التعبير وسلاسته، ووضوحه وإشراقه، مع رشاقة اللمسات، والتزام الاعتدال، ومجافاة الغلو والإسراف. . . وهو ساخر بارع يتخذ سخره قالب البساطة والتواضع، فهو لا ينكر الأشياء في عنف، ولا ينتقص أحداً في جفاء وشدة، وإنما يبتسم ابتسامة خفية مهذبة، ويتحدث في رفق ولين).
ومنها عن الأدب الأسباني:(لم تظهر في جنوب جبال البرانس حركة فلسفية ملحوظة أو نهضة علمية مأثورة، ويعلل بعض المفكرين الأسبانيين ذلك بتغلغل الفردية في نفوس الأسبانيين، لأن تلك الفردية المتمادية تعوق تحول الأفكار الشخصية إلى مذاهب اجتماعية. . . ويحاول الأدب الأسباني أن يصف الإنسان من حيث هو إنسان مكون من لحم ودم وأعصاب وعظام، ولا يطيق أن يحيله فكرة باقية).
وقد استطاع الأستاذ أدهم أن يعجب بالساخر أناتول فرانس دون أن يعدى باستخفافه، وأن يعجب بالمتشائم ليو باردي دون أن يتشاءم مثله، وأن يعجب برجال العزم دون أن ينسى فضل التردد في تكوين الأفكار، وتلك علامة واضحة من علامات الفكر المستقل الذي يستطيع أن يفتح نوافذه لجميع جوانب الحياة، دون أن يستغرق في جانب منها أو يعطيه فوق حقه من التقدير.
أما الأستاذ عبد الرحمن صدقي فقد رتب أبا نواس ورتب عصر أبي نواس، فكان في تنسيقه للمتفرقات معيناً على وحدة النظر إليها، وتقريب أسباب النظر فيها والحكم عليها. فتكلم عن الحانات في عصر الشاعر بين عامة وخاصة، وتكلم عن مجالس الشراب في الأديرة والقلايات، وعن الغزل والسماع، وعن ملاهي مصر والشام والعراق ومنها حرب الأزهار. وشفع التاريخ بالشواهد الشعرية من ديوان أبي نواس على الأكثر ومن دواوين بعض الشعراء الآخرين حيناً بعد حين. فيقال بحق أن أبا نواس في ملاهيه وخمرياته يعرف من هذا الكتاب كما لا يعرف من كتاب غيره. وقد أخذ الكاتب نفسه بهذا الغرض دون غيره فقال في صدر كتابه: (هذه صورة شاعر من أكبر شعراء العربية في ساعات