سوق جديد من أسواق الرقيق، فإذا استطاع الذهب الصهيوني والنفوذ الأمريكي أن يتما الصفقة، وأن يملك اليهود فلسطين كلها أو بعضها، فقد ضاع الحق ولا سبيل إلى استنقاذه، وتأيد الظلم، وما هو بجديد. . .
ألا وإننا نرى الواقع ولكن بغير عين الجبناء الأذلاء. ونعلم منه ما هو أشد إيلاماً وأبلغ بياناً، نذكر أن الذين باعوا فلسطين، والذين يساومون على برقة وطرابلس لم يدخلوها فاتحين وإنما دخلوها حلفاء لأهلها، أصدقاء لشعوبها، بذلوا لهم الوعود وقدموا لهم العهود والمواثيق، فاطمأنوا إليهم وأمنوا لهم، حتى إذا انتهت الأزمة، وزالت عنهم الحرب، نقضوا العهود وتناسوا الميثاق، وباعوا إخوانهم في السلاح وأعوانهم في الكفاح، لا بيع غالب لمغلوب، ولا قاهر لمقهور، ولكنه بيع الصديق للصديق، وغدر الرفيق بالرفيق ووضع القيد في يد الحليف دون العدو. بلك والله الكبيرة التي لا يأتيها الوحش في الغابة ولا يجيزها حتى قانون الذئاب المفترسة، ولكن يأتيها الأوربي المتمدن ويعاملنا بها الإنجليز الحلفاء. . .
فما هي القوة إذن، ولكنها الخيانة والغدر، وإذا باع الحليف حليفه، واسترق الرفيق رفيقه، فإنما يبيع أولا شرفه وكرامته، ويخلع عن نفسه آدميته. فإذا وُجد في القرن العشرين دول تقوم على هذه الخطة وتثرى من هذه التجارة، فهو انحطاط جديد في الإنسانية قد أصيب به الأقوياء الذين يرضون أن ينزلوا بنفوسهم إلى أحط درجات الإنسانية، وأصبحوا هم أنفسهم عبيداً لأطماعهم وشهواتهم، ولا يغير من هذه الحطة وتلك الذلة التي يمارسونها أن كانوا في يوم من الأيام أقوياء، وأن تمكنوا بسبب هذه القوة من احتراف ذلك النوع الجديد من (النخاسة) والاتجار بالأحرار، وإذا كان الرق قد ألغى إلى غير رجعة، وعلت إرادة الإنسان أن تخضع لسيد مهما يكن، فإن أشد البلاء أن تصيب النكسة قوماً كانوا أول من دعا لإلغائه، ولابد لهم أن يفسروا لنا قيام هذه الأسواق الاستعمارية التي يمارسونها، وأن يقروا معنا أن العبودية وقد انتفت عن الأمم جميعها، متى أرادت ذلك وصممت عليه، فإن وصمتها تمكن أن تلقى على عصابة النخاسين الذين يمارسون حرفة قد أبطلتها الإنسانية ومبادئها السامية.
أيها الأحرار لم يعد بينكم وبين الحرية إلا عزيمتكم وإرادتكم وما العزيمة إلا البذل