عيون شعر نعيمة لا بل يمكن وضعها إلى جانب ورائع شعراء الغرب الذين نظموا في هذا الموضوع، ومن شك في ذلك فليقرأها مترجمة، فالترجمة هي محك الآثار الأدبية، وبها نميز الشعر الرفيع من الشعر الزائف الذي أملته المناسبات التافهة والأغراض الرخيصة. . انظر إلى قوله:
سيري ولا تعاتبي ... لا ينفع العتاب!
أو قوله:
كم أزهرت من قبلك ... وكم ذوت ورود!
فأية مرارة تفيض من هذا الشعر؟ وأية بساطة، وأي إحساس وأية موسيقى؟! إنني أترك للقارئ الحكم والمقارنة بين هذا الشعر البسيط وبين شعر النحت والبلاغة اللفظية. وشتان بين بلاغة الروح وبلاغة اللفظ، وشتان بين شاعر يعرف ما يريد أن يقول وبين شاعر لا يهمه إلا أن تطول قصيدته التي يكثر فيها النظم ويندر الشعر. . إنني لعلى يقين من أن صاحب (همس الجفون) لم ينظم قصيدة من قصائده إلا بعد أن حبل بها فكره وتمخض عنها وجدانه. . . أصغ إليه في قصيدته (التائه) كيف يصور لنا أشواق روحه وأوجاعها وتعطشها إلى الإيمان كما يرسم لنا حيرته في تلك النار المقدسة التي تشب بين ضلوعه فيطلب أن تختار لها موقداً غير قلبه، ونحن نحمد الله على أن اختار لتلك النار قلباً شاعراً واعياً كقلب نعيمة، قلباً (يحول قضبان سجنه أوتار قيثارة) ويخلق لنا من لظى تلك النار واحات نقصدها كلما اشتد علينا قيظ هذه الحياة اللاهب!. .