(المنصورة) التي أسر فيها ملك فرنسا (لويس التاسع). وكان الصالح نجم الدين قد استكثر من شراء المماليك من الأتراك، ورباهم، وابتنى لهم قلعة بجزيرة الروضة، واتخذ منهم حاشية وحرساً وجنداً، ووجد فيهم وفاء وولاء، كما وجد فيهم شجاعة وبلاء، في حوادثه المختلفة. . .
مات الصالح نجم الدين، والمعركة في أبانها وريعانها. فكتمت زوجته (شجرة الدر) خبر وفاته، لتحفظ على جيشه معنويته، ريثما يعود ابنه (توران شاه) ويتسلم مقاليد الأمور.
عاد توران شاه، فلم يستطع أن يستصفي زوجة أبيه (شجرة الدر) ولا أن يستخلص مماليك أبيه. فانتهى النزاع بينهما بأن قتلوه قتلة شنيعة.
حينذاك يصب الأمراء من المماليك (شجرة الدر) ملكة على البلاد. . .
(وشجرة) الدر تعتبر - من ناحية - بقية من بقايا الأيوبيين، فوجودها على العرش امتداد لوجودهم. ولكنها - من ناحية أخرى - كانت جارية من جواري الملك الصالح، وليست أيوبية من نسل الأيوبيين، فوجودها على العرش يعتبر بدءاً للعصر المملوكي، أو هو على الأقل إرهاص ببدئه.
قيل إن خلفة بغداد - إذ ذاك - المستعصم بالله العباسي أرسل إلى رجال مصر يعيرهم بها، ويوبخهم لأنهم ولوا عليهم امرأة. فخشيت (شجرة الدر) مغبة الأمر، وأخذ مركزها يتحرج، وخشيت كذلك أن تتحرك أطماع الطامعين من بقايا الأيوبيين. فأرادت أن تتلافى الأمر، وأن تحتمي هي وعرشها برجل صنيعه لها، يكون له من الملك اسمه وشكله، ويكون لها منه النفوذ والسلطان.
اختارت (شجرة الدر) لذلك مملوك زوجها وهو (أيبك الجاشنكير) وكان حينذاك أحد أمراء دولتها الكبار. فتزوجته وتنازلت له عن العرش، فارتقاه ملكا، وبقيت هي بجواره لها الأمر والنهي والحول والطول. وتلقب بالملك المعز، وكان أول ملوك هذه الدولة.
تسلم الملك المعز عرشه في غير كثير من الجلبة والضوضاء - كما أشرنا - وبذلك انتقل الملك من دولة إلى دولة، وبذلك أيضاً بدأت دولة الأرقاء.
ودرج الأمراء فيها على أن يعقدوا مجالس للشورى عند خلو العرش، ليختاروا من بينهم أميراً يجلس عليه. فإذا تم الأمر لأحدهم كان إليه وحده الحكم والسلطان.