أما هؤلاء الأمراء فهم من المماليك المعتقين الذين وصلوا بذكائهم وبلائهم إلى هذه المرتبة. ولهم وحدهم حق اختيار سلطان البلاد. لهذا كانت طريقة الحكم في الدولة نمطا فريداً بين طرق الحكم المعروفة.
وقد عاشت هذه الدولة زهاء قرون ثلاثة - كما أشرنا - ويقسمها بعض المؤرخين إلى دولتين. والبحرية والبرجية، أو التركية والجركسية. وملك الدولة البحرية من المماليك الأتراك، وملوك الدولة البرجية من المماليك الجراكسة. ومؤسس الأولى الملك المعز (أيبك الجاشنكير)، ومؤسس الثانية الملك الظاهر (برقوق ابن آنص).
واتخذت كلتا الدولتين جنودها من المماليك، إذ عني الملوك والأمراء معاً بجلبهم وشرائهم من الأسواق الخارجية، كما عنوا بتنشئتهم تنشئة عسكرية، واتخذوا منهم بطانة وحرسا. ووكلوا إلى النابهين منهم - بعد عتقهم - مناصب الدولة. وكانت كلها مناصب عسكرية إذا استثنينا منها مناصب القضاء والكتابة وما إليها وتكون من هؤلاء الجنود والأمراء ومن السلطان، الطبقة الحاكمة في البلاد، التي لها دون سواها من نابتة البلاد، حق الحكم وتصريف الأمور.
واشتهر من ملوك الدولة البحرية غير أيبك. قطز وبيبرس وقلاوون وابنه الناصر محمد. واشتهر من ملوك الدولة الجركسية غير برقوق، ابنه فرج وقايتباي والغوري والأشرف طومان باي.
ولكل من هؤلاء أعمال مجيدة نافعة ما بين حروب خارجية وإصلاحات داخلية. ويعتبر بعض المؤرخين، هذا العصر امتداداً للعصر الأيوبي؛ لأن الدولة في أغلب نظمها نهجت نهج النظم الأيوبية. ولكن - دون شك ورغم هذا - كان للعصر خصائصه ومميزاته التي تفصله عما عداه.
وحقاً احتفظ سلاطين العصر بسلطنتهم مستقلة مرفوعة اللواء عزيزة الجانب تضم بين ممتلكاتها البلاد الشامية والحلبية والحجازية في أكثر أيامها. غير أنها امتازت ببعث الخلافة العباسية في القاهرة وتجديدها. بعد ما وئدت في بغداد على يد التتار عام ٦٥٦هـ. فأصبحت القاهرة بذلك محوراً دينياً للمسلمين، وفي ذلك كسب أدبي عظيم كان له أثره في تثبيت ملك سلاطين مصر في هذه الحقبة، وإكسابهم الشرعية اللازمة، لأنهم كانوا عليها