للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فيه المعاول، ولا ينبت فيه نبات. .!!

وبالغ بعض النوبيين في تصوير هذه البلاد على صورة عجيبة غريبة، لقد قال: إنها كانت قبل التعلية الثانية جنة فيحاء ينعم أهلها بالخيرات صنوفاً وألواناً، ولا تكاد تفترق بحال من الأحوال عن أنضر بقعة من بلاد القطر، غنى وثراء. .!!

ولم يرقني هذا القول كثيراً، ولما فيه من المبالغة، التي لا يجدر بالمخلص أن يتصف بها، لأنها تضر أكثر مما تنفع، فليس الوضع على ما يفهمه المتطرفون، من أنه عداء ونضال، وبغية سلب هذه البلاد خيرها، وحظها من الخير والنعم، بل هي الحاجة التي دفعت إليها مصلحة القطر المصري كله، كما أبنت عن هذا آنفاً. . وهذه سنة الكون، وقانون الوجود. . فلا داعي إذن للمبالغة والمغالاة، وتصوير الواقع في غير صورته. . إذ أن المساحة المنزرعة قبل التعلية لا تكاد تذكر، ومهما كانت من الخصب والنماء، فإنها يجب ألا تصور على هذه الصورة، ولا تنال هذه المنزلة. . ويخيل إلي أن الغلو في التصوير، والمبالغة في التعبير، قد أصبح قاعدة يسير عليها الناس، حتى لا يكاد الباحث يدرك حقيقة الأمر كما يرجو ويحب، قداسة ونزاهة. . وأعتقد أن الأمور رو وُزنت كما يجب أن توزن، لعرفنا المهم والأهم ولبدأنا بالأهم، لأننا في مسيس الحاجة إليه، ولكن المجتمع لا يسير على هذا النهج، وإنما يجعل كل الأمور في أعلى درجات الاهتمام فيختلط الأمر على ذويه، وأصحاب الشأن، فتتعطل حركة الإصلاح في البلاد. .

ومهما يكن من شيء، فقد أضرت مياه الخزن بهذه البلاد وأعني بلاد النوبة، بقدر ما أفادت بقية بلاد القطر، ولقد فهمت ذلك جلياً جميع الحكومات المصرية. ولكن مجرد الفهم لا يكفي، وإنما الواجب أن نسرع بتنفيذ المشروعات العظيمة، المزمع إقامتها في هذه البلاد، وإن هذا الوقت وقتها، وأخشى ما أخشاه أن تصبح فكرة منسية في زوايا التاريخ. .!!

عبد الحفيظ أبو السعود

<<  <  ج:
ص:  >  >>